اليورو التاريخي وإدارة المخاطر المالية (2 من 2)

تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عما يحدث من تذبذب تاريخي لليورو أمام العملات الرئيسة, وعن الزيادة في عمليات التحوط المالي, وكذلك عن مدى تأثير ذلك في الشركات العالمية من ناحية الربحية وتكلفة المشاريع والمخاطر المرتبط بها. 
ولعلي أستعرض باختصار ما حدث لشركة الطيران الألمانية «لوفتهانزا» كمثال على المخاطر المالية في العمليات التجارية العالمية، ففي عام 1986 قررت شركة لوفتهانزا شراء 20 طائرة 737 من شركة بوينج الأمريكية بمبلغ 500 مليون دولار على أن يتم التوصيل خلال سنة من تاريخ توقيع العقد، وفي تلك الفترة كان سعر صرف المارك الألماني 3.2 دولار وفي الوقت نفسه كانت «لوفتهانزا» تبيع تذاكرها في السوق الأمريكية بالدولار, لكنها لم تكن بحجم الصفقة نفسه.
وكأي شركة عالمية كانت «لوفتهانزا» تملك أدوات التحوط ضد المخاطر المالية لمثل هذه العمليات التجارية مثل العقود الآجلة والخيارات, إضافة إلى الأدوات التقليدية كالشراء اللحظي للعملة أو الوضع المكشوف, أي شراء العملة في وقت الاستحقاق، وعليه فإن الاحتمالات المطروحة أمام «لوفتهانزا» كانت على النحو التالي:
استخدام الوضع المكشوف، وعليه فإن تكلفة الصفقة في حالة عدم تغير سعر الصرف ستكون 1.6 مليار مارك أو البقاء مكشوفا أمام تذبذب سعر الصرف بين المارك والدولار صعودا أو هبوطاً أو استخدام العقود الآجلة وهي التي ستبقي التكلفة الإجمالية دون تغيير عند 1.6 مليار مارك بغض النظر عن سعر الصرف المستقبلي، وهذا الخيار يعد صعبا لعدم توافر المبلغ لدى «لوفتهانزا». والخيار الثالث تغطية نصف المبلغ بعقود آجلة وبقاء النصف الآخر مكشوفا بحيث تكون التكلفة 800 مليون فرنك, إضافة إلى نصف مكشوف أمام تذبذب سعر الصرف بين المارك والدولار صعودا أو هبوطاً. الخيار الرابع هو في استخدام الخيارات بحيث تكون التكلفة الإجمالية في حالة ارتفاع الدولار 1.696 فرنك باستخدام حق الخيارات أو بتكلفة أقل مع خسارة 69 مليون فرنك قيمة حق الخيارات.
كان القرار الذي اتخذته إدارة «لوفتهانزا» هو استخدام 50 في المائة عقود آجلة و50 في المائة مكشوفا, إذ قامت بشراء عقود آجلة بقيمة 250 مليون دولار بسعر 3.2 دولار, أي بقيمة 800 مليون فرنك وأبقت 250 مليون دولار مكشوفة. في عام 1986, وهو موعد الدفعات, كان سعر صرف المارك الألماني 2.3 دولار، لتكون التكلفة الإجمالية للصفقة هي 1.375 مليار فرنك.
وبنظرة سريعة على الاحتمالات التي كانت تملكها «لوفتهانزا» عام 85، فإن التكلفة الإجمالية للصفقة ستكون كالتالي: 1.15 مليار فرنك باستخدام الوضع المكشوف، 1.6 مليار فرنك باستخدام العقود الآجلة و1.246 مليار فرنك باستخدام حق الخيارات، وسأترك للقارئ الكريم التحليل لمستوى الربح والخسارة من العملية المالية.
إن مثال شركة لوفتهانزا يوضح بجلاء أن استخدام التحوط في العمليات التجارية المتعلقة بالعملات يؤثر بشكل كبير في ميزانيات الشركات، ولذلك فإن أي قرار تتخذه الإدارات المالية وإدارات المخاطرة المالية قرار استراتيجي يجب أن يأخذ في الاعتبار جميع المتغيرات السياسية والاقتصادية المحيطة وتخضع لتحليل دقيق لمتغيرات السوق العالمية, خصوصا في وقت تشهد فيه العملات الرئيسة الكثير والكثير من التذبذب التاريخي, والاحتمالات المفتوحة لما يمكن أن يحدث في المستقبل على مستويات الاقتصاد الكلي وتأثير ذلك في أسعار الصرف.
وختاما, فإن التحليل الاقتصادي الصحيح لمعطيات الاقتصاد العالمي اليوم, يعطي فرصة كبيرة للشركات في المحافظة على المكاسب والتقليل من الخسائر الناتجة عن الدخول في عمليات تجارية دولية ذات علاقة مباشرة بأسعار الصرف, وكذلك فإنها ــ من وجهة نظري ــ ستلقي الضوء على تجارب مهمة سواء بالنجاح أو الفشل في كيفية استخدام المشتقات المالية, وسيذكر التاريخ «لوفتهانزا» جديد إما بالنجاح أو الفشل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي