تعليق الآمال على صندوق النقد حول قضية إفلاس البنوك
إن هاجس إفلاس البنوك الدولية الضخمة بات يشكل الكابوس المالي الأعظم الذي يخيم على الاقتصاد العالمي. والواقع أن إفلاس أحد البنوك الضخمة (خاصة أحد البنوك الأوروبية) ليس بالاحتمال البعيد، سواء كان ذلك ناتجاً عن التخلف عن سداد ديون سيادية أو راجعاً إلى خسائر ضخمة تراكمت في ظل قواعد محاسبية مختلة. حتى ولو كان ذلك احتمالاً بعيداً فقد علمتنا أزمة 2008 المالية أن الأحداث النادرة الاحتمال قد تقع.
وما يجعل من هذا الاحتمال كابوساً مالياً أسوأ من انهيار ليمان براذرز عام 2008 هو الخوف من أن كون العديد من الدول ذات السيادة قد استنفدت بالفعل كل حيلها فأصبحت بالتالي عاجزة عن التدخل. والواقع أن سندات مقايضة العجز عن سداد الائتمان التابعة للبنوك الرئيسة في جنوب أوروبا معروضة للتداول بأسعار أقل بعض الشيء من أسعار سندات مقايضة العجز عن سداد الائتمان التابعة لبلدان هذه البنوك، الأمر الذي يشير إلى أن السوق لا ترى أن الأخيرة قادرة على دعم الأولى.
ومن المؤسف أن ما بُذِل من جهد للتصدي لهذا التهديد كان ضئيلاً للغاية رغم مرور عامين تقريباً منذ انهيار ليمان براذرز. والآن يوشك الكونجرس الأمريكي على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع القانون الذي يقضي بتأليف مجلس شامل جديد, ويمنح ذلك المجلس سلطة اتخاذ القرار بشأن المؤسسات المالية الرئيسة في الولايات المتحدة. بيد أن الإجراءات اللازمة لتحريك هذا التدخل معقدة، والتمويل غامض إلى الحد الذي يجعل مشروع القانون هذا عاجزاً عن إزالة الأضرار الجانبية الناتجة عن إفلاس البنوك الضخمة حتى بالنسبة لمؤسسات الولايات المتحدة، ناهيك عن المؤسسات الدولية، التي سيتطلب حلها التنسيق بين عِدة ولايات، بدرجات متفاوتة من القدرة المالية.
ولتقليل خطر حدوث انهيار عاصف، فمن الضروري أن نتفق على آلية دولية لاتخاذ القرار تفرض سلطتها على كل المؤسسات المالية الدولية الكبرى. ولن يكون الهدف من هذا إنقاذ البنوك ودائنيها، بل الحد من الاختلال الذي ينتج من تخلف عن السداد لا يمكن السيطرة عليه.
وينبغي لهذه المؤسسة أن تكون عبارة عن نسخة دولية من الفصل الـ 11 من قانون الإفلاس الأمريكي. لكن في حين يهدف الفصل الـ 11 إلى الحفاظ على القيمة الجارية للشركة، فإن الهدف من آلية اتخاذ القرار الدولية لا بد أن يكون الحفاظ على القيمة الجارية للأطراف الأخرى المشاركة للمؤسسات المالية المفلسة.
والمشكلة الأولى الواجب حلها فيما يتصل بالموافقة على مثل هذه الآلية تتلخص في تحديد الطرف الذي ينبغي له أن يتمتع بهذه السلطة. والإجابة الواضحة هي صندوق النقد الدولي.
تأسس صندوق النقد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية لتمويل الخلل المؤقت في التوازن بين البلدان الأعضاء التي تعتمد نظام سعر الصرف الثابت، ومنذ انتهاء العمل بنظام سعر صرف الدولار عام 1971 كان الصندوق يبحث عن قضية. والأهم من ذلك أن صندوق النقد الدولي اكتسب خبرات لا يستهان بها في مجال إعادة هيكلة الديون من خلال إنقاذ عديد من البلدان ذات السيادة، في حين نجح في تعزيز سمعته فيما يتصل بصرامته ونزاهته، وهو ما من شأنه أن يفيد كثيراً في مثل هذه المواقف.
ويتسم صندوق النقد الدولي أيضاً بميزة فريدة من نوعها، حيث يشكل المستودع الوحيد للاحتياطيات الدولية. وفي غياب السلطة المالية الدولية فإن الصندوق يُعَد المنظمة الأقرب إلى تولي مثل هذه المهمة.
وحين تفلس مؤسسة مالية ضخمة فينبغي لصندوق النقد الدولي أن يستحوذ عليها وأن يضمن التزاماتها القصيرة الأجل، على أن يتخلص من حاملي الأسهم وأن يسدد الديون طويلة الأجل بعد سداد ديون كل الدائنين الآخرين (بما في ذلك صندوق النقد الدولي ذاته). وقد يصرخ بعضهم قائلين إن هذا بمثابة تأميم، لكنه لن يكون تأميماً ما دام الفصل الـ 11 من قانون الإفلاس الأمريكي يتعامل معه.
إن حل الاستحواذ من جانب منظمة دولية يتسم بثلاث مزايا لا تتوافر في الحلول المحلية. أولاً، يضمن هذا الحل تحمل التكلفة (إذا تجاوزت الخسائر القيمة الإجمالية لحقوق المساهمين والديون طويلة الأجل) بواسطة المجتمع الدولي وليس فقط بواسطة الدولة التي تتخذها المؤسسة المفلسة مقراً لها، الأمر الذي يجعل التدخل جديراً بالثقة حتى إن لم تكن الدولة ذات السيادة جديرة بالثقة.
ثانياً، بانتزاع سلطة اتخاذ القرار من الحكومة الوطنية التي تستضيف مؤسسة مفلسة، يعمل هذا الحل على تقليص التشوهات المحتملة الناجمة عن الضغوط التي يمارسها المصرفيون الحاليون: فهل نثق بقدرة الحكومة اليونانية على إدارة بنك يوناني بطريقة غير فاسدة بعد أن تستحوذ عليه الحكومة؟ لا شك أن صندوق النقد الدولي سيكون أفضل في أداء هذه المهمة.
أخيراً، وبفضل مشاركة صندوق النقد الدولي، فإنه حتى البلدان الأقل تقدماً ستتمكن من الاستفادة من أفضل الخبرات الدولية في التصدي للمشكلة. وإذا حدث تسرب كبير للنفط في هايتي فهدد خليج المكسيك، ألن يجعلنا ذلك في احتياج إلى الاستعانة بأفضل السبل التكنولوجية (وليس التكنولوجيا المتاحة في هايتي فحسب) في محاولة احتواء التسرب؟ لماذا إذن ننظر إلى الأسواق المالية من زاوية مختلفة؟
والمشكلة الأخيرة التي تحتاج إلى الحل هنا تتمثل في تحديد جهة الإطلاق. وفي حالة سلطة اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، كانت هذه القضية مثاراً للجدال الشديد. وكانت المخاوف تتلخص في استغلال البنوك الضخمة المساعدات التي تقدمها الحكومة الوطنية والمطالبة بالتدخل قبل الأوان.
هناك اثنتان من الضمانات الكفيلة بتجنب هذه المشكلة في السياق الدولي. أولاً، القواعد الصارمة التي تقضي بالتخلص من حاملي الأسهم ومعاقبة الدائنين من ذوي الديون المستحقة طويلة الأجل تشكل وسيلة واضحة للردع من وجهة نظر المصرفيين. والأخرى، لأن التدخل من جانب صندوق النقد الدولي من شأنه أن يحد من تأثير المطلعين المحليين الأقوياء، فإن التدخل المبكر سيكون أقل جاذبية بالنسبة لهم. لذا فلا بد أن تكون الحكومة المحلية جهة الإطلاق الأولى. ورفض المساعدة الدولية في مثل هذه الحالات يعني الانتحار الانتخابي بالنسبة لأي حكومة تواجه انهيار بنك كبير.
وهناك مناطق قليلة حيث قد ينجح التدخل من جانب الحكومة في خلق القيمة: الحد من التأثيرات المدمرة لتكالب المودعين والدائنين على البنوك يشكل إحدى هذه المناطق. فلن يتسنى إلا لحكومة قوية بالدرجة الكافية، من حيث السلطة القانونية والقدرة المالية، أن تضطلع بمثل هذه المهمة. لكن من المؤسف أن هذين الشرطين لا يتوفران إلا نادراً على الساحة الدولية. ولا شك أن تمكين صندوق النقد الدولي من الاستحواذ على البنوك الدولية المفلسة من شأنه أن يسد هذه الفجوة ـ ويخلصنا من أسوأ كابوس يقض مضاجعنا.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org