نشوء الشركات العائلية واندثارها (3)
خلصت بعض الدراسات الدولية إلى أن واحداً من ثلاثة أنشطة عائلية يبقى حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث! وقد تقدم القول إن حماية الشركات العائلية من مخاطر الاندثار بسبب الخلاف والصراع على السلطة بين الورثة في مرحلة الجيلين الثاني والثالث يقتضى أن تستعد هذه الشركات مبكرا بترتيبات قانونية مسبقة. وظهرت أخيرا دعوات بأن أفضل الخيارات للمؤسسات العائلية الكبيرة لضمان بقائها واستقرارها هو أن تتحول إلى شركات مساهمة عامة. بيد أن هذا الخيار لا يلقى ترحيبا من الجميع، فوفقا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات آرنست آند يونج، فإن نصف أصحاب الشركات العائلية الكبرى في دول مجلس التعاون يرغبون في التحول إلى مساهمة عامة تتداول أسهمها في البورصات، بينما يتحفظ أصحاب النصف الآخر على هذه الخطوة لأسباب متفاوتة.
ويعتقد بعض أصحاب الفئة المتحفظة ومنهم الشيخ عبد العزيز كانو, أن شركاتهم لديها تميز في مجال عملها يجعلها قادرة على تحقيق مزيد من النجاح والنمو، وأن نجاحها كان بفضل مجهودات ذاتية طويلة ومضنية، وهم ليسوا ملزمين بتقديمها هبة إلى الآخرين. والمعروف أن بعض هذه الشركات لديها وكالات تجارية حصرية لشركات عالمية منحتها ميزات احتكارية حققت لهم أرباحا مضمونة. وهو امتياز يصعب عليهم نفسيا التفريط فيه بسهولة لأشخاص من خارج العائلة. فيما يرى البعض الآخر من المتحفظين أن التحول إلى شركات مساهمة يضطرهم إلى كشف حجم ثرواتهم وأسرار أعمالهم, وهذا يجعلهم مطمعا لذوى النفوذ، وهي مسألة يخشاها كثير من رجال الأعمال في الدول النامية عامة، حيث يمكن أن يعتدى على الحقوق والحريات بسبب طغيان النفوذ وضعف مبدأ سيادة القوانين. وهؤلاء يرون أن الظروف ليست ملائمة بعد لهذا التحول, لا من حيث تطور البيئة القانونية، ولا من حيث نضج أسواق المال. ولهذا أوصت دراسة لخبراء شركة بوز آند كومباني بضرورة تطوير الأنظمة المتعلقة بالشركات العائلية, ولا سيما ما يخص فصل الإدارة عن العائلة. ويتفق الشيخ صالح كامل مع فئة المتحفظين, فهو يرى أنه لا بد من العمل أولا على تطوير الأنظمة وإزالة كل القيود القانونية والأعباء الإدارية التي تحد من توجه الشركات العائلية إلى أن تصبح مساهمة عامة. ويبدو أن وزارة التجارة والصناعة أخذت تولي هذه المسألة اهتماما بالغا، فقد صرح وزير التجارة أخيرا أن وزارته بصدد القيام ببعض الترتيبات التي تساعد على تحويل هذه الكيانات الاقتصادية العائلية إلى بناء مؤسسي قوي يصمد ضد مخاطر التصدع. ومن ذلك إصدار نموذج استرشادي لميثاق عائلي يكون مرجعا لضبط وتنظيم العلاقة بين أفراد العائلة الواحدة وتسوية النزاعات بينهم. وإمكانية قيام الجهات الحكومية بتقديم حوافز ومميزات لتشجيع المنشآت العائلية على تطبيق أسس الحوكمة والشفافية. كما أوصت ندوة عقدت في غرفة الرياض, وزارة التجارة التقدم للمقام السامي بطلب إنشاء لجان لفصل النزاعات في المنشآت العائلية على غرار لجان ومكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية.
عموما التحول إلى شركات مساهمة ليس أمرا حتميا لكل الشركات. تقول Barbara Spector رئيسة تحرير Family Business Magazine ليس هناك نموذج صالح لجميع الشركات، فعلى كل شركة النظر في أفضل بديل يناسب ظروفها، والمهم في نظرها هو أن يدرك الشركاء أبعاد وأثر تصرفاتهم في نمو الشركة، وفي العلاقات العائلية البينية بين ملاكها، ومن ثم الاستعداد لإحداث التغيرات اللازمة لتطوير الشركة عند الضرورة. وهذا صحيح، فقد تجد بعض العائلات أنها لا تحتاج إلى أكثر من إعادة هيكلة الشركة، بينما قد يجد بعضها الآخر في الاندماج مع شركات محلية خيارا مناسبا لها، فيما قد تجد مجموعة ثالثة من العائلات أن الدخول في تحالفات استراتيجية محلية أو دولية هو الأنسب لوضعها.
لا شك أن خيار، إعادة هيكلة الشركة العائلية هو أحد الخيارات المهمة الذي يسمح للعائلات بتطوير هياكل شركاتهم – دون التحول إلى شركات مساهمة عامة - ليأخذ شكلا قانونيا مؤسساتيا ضمن ميثاق عائلي يحدد الاختصاصات ويبين حقوق الشركاء، ويضع ضوابط وشروط نقل الملكية وطريقة تقييم الحصص. وتؤكد التجارب أن من أهم أسباب نجاح عمليات إعادة الهيكلة هي سلامة ودقة عملية تقييم أصول وموجودات الشركات، بما في ذلك اسمها المرتبط باسم العائلة, الذي حقق شهرتها على مدى سنوات عملها. كما تسمح إعادة الهيكلة بتسهيل فصل الملكية عن الإدارة، وهذا يهيئ لوجود مجلس إدارة تنفيذي يكون قادرا على رسم الأهداف العامة والخطط الاستراتيجية للشركة، واستقطاب الكفاءات المهنية المناسبة، وربما إدخال أعضاء من خارج العائلة في هذا المجلس.
والواقع أن إعادة الهيكلة هي أقل ما يجب على الشركات العائلية الكبيرة القيام به. وقد قام بعضها - كعائلة المهيدب على سبيل المثال- بإعادة هيكلة منشآتهم بتحويلها إلى مجموعة قابضة تضم شركات تابعة لها. حيث أعادوا هيكلة الإدارة من خلال تأسيس شركات مستقلة للشركاء، تملك حصصا في الشركة الأم. وهم بهذا يتوقون لضمان استمرار الشركة عبر الأجيال سواء استمر بقاء الورثة كشركاء أو قاموا ببيع تلك الحصص لغيرهم في المستقبل. وحقق لهم هذا الخيار ميزتين: الأولى حماية الشركة من عواصف الخلافات مع تعدد الأجيال، والمحافظة على بقاء الشركة ضمن العائلة وعدم دخول ملاك من خارجها. والأخرى الاحتفاظ بمزايا الشركات العائلية من حيث سرعة ومرونة اتخاذ القرارات. وفي كل الأحوال، لا بد للشركات العائلية من ترتيب ما يضمن لها الاستقرار والبقاء والنمو. وللحديث صلة.