بطلان العقود العقارية وفسخها
كثيراً ما تغير بعض الكلمات أحكاماً كثيرة, وكثيراً ما يتلاعب المتلاعبون من المختصين وغيرهم في بعض المفردات، بحيث يظن الطرف الآخر أنها دالة على معنى متفق عليه، إلا أن المتلاعب يقصد معنى آخر، فإذا انتهى الأمر إلى المحكمة فإن العبرة بمنطوق الاتفاق أو المادة – أياً كان المختلف فيه -. وفي حال اختلف الطرفان في تفسير المنطوق فإن القضاء سيلجأ إلى طلب البينة ممن يدعي إرادة اللفظة أو السياق لغير حقيقته القانونية, فإن لم تكن هناك بينة أو تراضٍ بين الطرفين على مراد النص، ولم يجد القضاء قرائن تقوي جانب مَن يدعي خلاف الحقيقة، فلا مناص من أنه سيحكم لصالح من يدّعي أن اللفظ على ظاهره.. هذه مقدمة لا بد منها لتكون إطارا عاما لصور كثيرة لا نستطيع أن نُحيط بها، تستدعي الرجوع إلى المختصين من المحامين عند صياغة العقود والتدقيق في دلالة المصطلحات فيها، ووجوب البعد عن المجمل من الألفاظ إلى المبين وأمثل عليه ليتضح المقال.
فمثلا، عبارتا "بطلان" العقد و"فسخه" قد تكون لدى غير المختصين بمعنى واحد في الدلالة، فيُعبرون بإحداهما ويريدون الأخرى، إلا أن المصطلحين مختلفان في المعنى والأثر, فالبطلان المطلق - وهو أحد نوعي البطلان والثاني النسبي- يُقصد منه عدم انعقاد العقد أصلاً، ومن ثم فلا أثر له من ذات التاريخ الذي ظُن انعقاده به. وبهذا، فإن الطرفين يعودان إلى مركزيهما القانونية قبل الانعقاد؛ أي كما سبق، كأنه لم ينعقد, والبطلان يَردُ في حال تخلف ركن من أركان العقد أو أحد شروط صحته، مثل: عدم الرضا، أو عدم وجود المبيع أصلاً، أو عدم القدرة على تعيينه، ونحوها من الأسباب التي تؤثر في أصل العقد. وفي هذه الصور فإن العقد لم يتم، وبهذا ففي حال تداعى الطرفان فسيحكم القضاء بعدم الصحة، ومن ثم إلزام كل طرف بالعودة لوضعه قبل العقد، فإذا كان قد تسلم مبالغ مثلاً، فإنه يسلمه لصاحبها وهكذا.
أما فسخ العقد فلا يعني البطلان، فهو حكمٌ يَرد على عقد صحيح مكتمل الأركان والشروط، إلاّ أنه لأسباب معينة لم يستطع أحد الطرفين تنفيذ الالتزام، أو أن الطرفين اتفقا على فسخ العقد برضاهما.. ففي هذه الحال فإن آثار العقد تسري ولا يعد مفسوخا إلا من تاريخ اتفاقهما على ذلك لا من تاريخ العقد، فإذا كانت هناك مبالغ تحصل عليها المشتري فهي له أو للبائع، وإن كان هناك نماء في السلعة فهي لمن كانت تحت يده, ومن ثم فيجب على الطرفين في هذه الحالة أن يدققا في بنود الفسخ، بحيث يشترطان ما يريدان لئلا تثور النزاعات بعد ذلك.
ومن أمثلة ذلك أن من باع عقاراً على آخر وهو لا يملكه أو لم يقدر على تسليمه له أو لم يكن البائع أو المشتري في كامل أهليته - فإما أنه فاقد الأهلية أو ناقصها بسبب جنون أو إكراه أو صغر-، وفي كل هذه الصور فإن العقد باطل، والعقار لمالكه الأول ولم تنتقل ملكيته للمشتري فلا أثر للعقد.