ميثاق الشركات العائلية
أجد لزاما عليّ وأنا آتي على نهاية هذه السلسلة من المقالات عن الشركات العائلية، أن أشكر جميع الإخوة القراء الذين أسهموا في إثراء الموضوع سواء من خلال تعليقاتهم القيمة على الموقع الإلكتروني للصحيفة مثل الإخوة: خالد السهيل، سمير عابد شيخ، محمد العمر، وظافر السبيعي، أو أولئك الذين بعثوا بمداخلاتهم إلى بريدي الإلكتروني سواء من كانوا من شباب الأعمال كمحمد البكري أو من المتخصصين كسلطان التركي على النحو الذي بينته سابقا. وأختتم هذه المداخلات بما جاءني من الأخ عبد اللطيف العمودي عضو اللجنة التجارية في غرفة جدة، الذي تمنى علي تطوير هذه المقالات وجمعها بين دفتي كتاب، وأرجو أن أتمكن من تحقيق أمنيته. كما تلطف وزودني بأوراق وبحوث مختارة قدمت في الدورة الخاصة بالشركات العائلية التي عقدتها هيئة شباب الأعمال في الغرفة التجارية في الرياض في أيار (مايو) الماضي. ووجدت فيما وصلني منها تنوعا جيدا وإضافات مفيدة، وشرحا موفقا لكيفية تطبيق بعض الإجراءات الضرورية لحماية استقرار الشركات والمحافظة على معدل نمو كاف يمكنها من مواكبة المتطلبات المالية المتزايدة للأسر مع انتقالها من جيل إلى آخر فقد أظهرت دراسة لشركة بوز آند كومباني أن المنشأة العائلية في المملكة في حاجة إلى النمو بمعدل 18 في المائة سنوياً لمجرد المحافظة على نفس مستوى معيشة الفرد فيها كلما توسع حجمها وزاد عدد ملاكها فعلى المهتمين من شباب الشركات العائلية الرجوع إلى هذه الأوراق ففيها فوائد جمة. واسترعى انتباهي منها ورقتا شركة الزامل وشركة علي المسند اللتان تحدثتا عن أهمية القيم في وضع ميثاق للشركات العائلة.
تقدم القول إن الشركات العائلية في بلادنا تواجه تحديات جسيمة, مثل الصراع على السلطة والإدارة، وكيفية تقسيم التركة بعد وفاة المؤسس، وعدم الفصل بين الملكية والإدارة، وضعف التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، إضافة إلى فشل أغلبيتها في تهيئة الجيل الثاني للخلافة، الأمر الذي أفضى إلى قصر متوسط عمر هذه الشركات, الذي قدرته بعض الدراسات بأقل من 30 عاما، وقدره بعضها الآخر بـ 40 عاما.
إن بقاء الشركة العائلية واستقرارها ونموها تتطلب أن تهتم العائلة بمواجهة هذه التحديات, لذلك تحتاج الشركات العائلية إلى صياغة ميثاق عائلي للشركة يكون بمثابة مرجع أو دستور عائلي لها يحظى بقبول أفراد العائلة، ويرجعون إليه عند رسم السياسات الاستراتيجية واتخاذ القرارات التي تؤثر في مستقبل الشركة العائلية. ويفترض أن يقوم هذا الميثاق على مجموعة من القواعد والضوابط القانونية والشرعية التي تضبط تصرفات أفراد العائلة وتمنعهم من تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الشركة. وكي تنجح هذه القواعد في أداء وظيفتها يجب أن تصاغ بعناية فائقة بمعرفة استشاريين مختصين وبمشاركة الأطراف المعنية ذات العلاقة، بحيث يحظى النص بقبول واحترام كل أفراد العائلة فيلتزمون به ويتعهدون بتنفيذه ثقة منهم بأهميته لتحقيق نجاح الشركة العائلية، على أن يتم هذا من منطلق الوعي والتفهم والود والتعاون فيما بينهم كأفراد عائلة واحدة, وذلك من أجل تحقيق أهداف الشركة وضمان استقرارها ونموها.
عند وضع الميثاق لا بد من تحديد القيم التي تؤمن بها العائلة وتعلي من شأنها، بحيث تكره التنازل عنها أو التفريط فيها فقيم العائلة هي أساس ميثاقها وسجل تراثها الذي ترغب في أن تكتسبه وتتوارثه أجيالها التالية. ويساعد ربط قيم العائلة بالمنشأة على توليد الشعور بالفخر لدى العاملين ويوطد روح الانتماء بينهم حتى يتجسد في هيئة ثقافة لمجمل أسلوب العمل فيها.
ويتضمن الميثاق العائلي عادة القضايا الجوهرية المهمة التي تؤثر في حياة الشركة العائلية ونموها واستمرارها مثل تحديد رسالتها التي تعكس غاياتها وأهدافها، وبيان حقوق الملكية في الشركة من حيث نشأتها وانتقالها وانتهائها، وطبيعة العلاقة بين أفراد العائلة وكيفية ترتيب مسألة الخلافة وتعاقب إدارة الشركة بين الأجيال المتعاقبة، فضلا عن قواعد شغل الوظائف القيادية في الشركة العائلية، وإجراءات توظيف أبناء العائلة، وأسس تدريبهم وتأهيلهم حسب احتياجات.
وهكذا, فإن ضمان استقرار الشركات العائلية ونجاحها عند انتقالها من جيل إلى آخر لن يتحققا إلا بوضع أنظمة تضبط توجهات أعضائها وتوجه تصرفاتهم، بحيث يتعهد الكل باحترام هذه الأنظمة والالتزام بها وتطبيقها وعدم الخروج عنها. وهذه هي قيمة وفائدة الميثاق العائلي وأهمية الدور الذي يحققه في إضفاء أجواء الألفة والتعاون وعدم الخلاف بين أفراد العائلة في إدارة الشركة العائلية، الذي يؤدي بدوره إلى استقرار ونمو الشركات العائلية ونجاحها.