خطر مكافآت المصرفيين
في إحدى جلساته التي شهدها تموز (يوليو)، وافق البرلمان الأوروبي على بعض القواعد الأشد صرامة على مستوى العالم فيما يتصل بالمكافآت التي تدفع للمصرفيين. وكان الهدف يتلخص في الحد من جرأة المؤسسات المالية على خوض المجازفات.
وتقضي القواعد الجديدة بعدم دفع أكثر من 30 في المائة من مكافآت المصرفيين نقداً، وبأن يتم تأجيل دفع نحو 40 في المائة إلى 60 في المائة من المكافأة لمدة ثلاثة أعوام على الأقل، وأن يتم استثمار 50 في المائة منها على الأقل في ''رأسمال مشروط''، وهو شكل جديد من أشكال الدين الذي يتحول إلى أسهم عندما تقع شركة مالية ما في محنة. والواقع أن الجانب الأكثر إبداعاً من هذه القواعد الجديدة هو أن الحدود التي تفرضها لا تنطبق على كبار المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات المالية فحسب، بل تنطبق أيضاً على كبار المديرين (ولو أن تحديد من ينطبق عليهم وصف كبار المديرين موكول إلى البرلمانات الوطنية).
والواقع أن المبرر المزعوم لهذا التدخل الكبير في التعاقدات الخاصة يتلخص في التأثير الشامل الذي قد تخلفه مثل هذه المكافآت. وطبقاً لهذه الحجة فإن الرواتب المرتفعة في القطاع المصرفي تكافئ النجاح لكنها لا تعاقب الفشل, فبوسع المديرين أن ينتقلوا بسهولة من شركة إلى أخرى كلما ساءت الأمور، فيتجنبوا بذلك أي عقاب. وهذا النظام يكافئ المديرين على خوض المجازفة، حتى ولو كانت المجازفة مفرطة. وهذا التشوه يُعَد واحداً من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الأزمة المالية في عام 2008.
والمشكلة في هذه الحجة تتلخص في غياب الأدلة التي تدعم الارتباط الأولي الحاسم في المنطق الذي تستند إليه. ولقد حاولت عِدة أبحاث إنشاء الارتباط بين خطط تعويض المصرفيين وخوض المجازفة، لكنها فشلت في التوصل إلى أي شكل من أشكال الارتباط. وأكثر ما توصلت إليه هذه الأبحاث هو أن المزيد من المسؤولين التنفيذيين من ذوي الأجور العالية كانوا يخوضون قدراً أعظم من المجازفة، لكن من غير الواضح إذا ما كان هذا سبباً أم تأثيرا. ذلك أن المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات التي تفرط في الاستدانة لا بد أن يحصلوا على أجور أعلى لأنهم يتحملون قدراً أعظم من المخاطر.
ومن المؤكد أن هذه التحقيقات تقتصر على أكبر خمسة مسؤولين تنفيذيين، وهم الذين تتاح بياناتهم للجمهور. لكن من المؤسف أننا لن نجد أي بيانات عامة متاحة لإقامة العلاقة السببية بين مدى حساسية المكافأة في مقابل الأداء وبين خوض المجازفة بين المستوى الأدنى من المديرين.
وفي هذا الصدد، فإن لجنة التحقيق في الأزمة المالية، التي شكلتها حكومة الولايات المتحدة، لديها فرصة فريدة من نوعها, فبفضل صلاحية الاستدعاء تستطيع لجنة التحقيق في الأزمة المالية جمع مثل هذه البيانات وتحليلها. وإننا لنأمل أن نتمكن من الإجابة عن هذا السؤال عندما يتم نشر تقرير اللجنة في كانون الأول (ديسمبر).
وإذا افترضنا وجود علاقة سببية، فإن التوجيهات الأوروبية تبدو جيدة التصميم إلى حد كبير، لكن هناك شائبة واحدة تعيبها. فهي جيدة التصميم لأنها لا تتدخل في مستوى التعويضات (كما طالب العديد من الناس)، بل تتناول الشكل الذي تتخذه هذه التعويضات. فهي لا تكتفي بالمطالبة بتأجيل القدر الأعظم من المكافأة السنوية لثلاثة أعوام فحسب، بل إنها تطالب أيضاً بتعريض هذه المكافأة للمجازفة. وإذا كان أداء الشركة ضعيفاً في الأعوام الثلاثة فهذا يعني أن المدير سيخسر جزءاً من مكافآته المتراكمة أو كلها. وهذا من شأنه أن يضعف الحافز إلى خوض المجازفة، لكنه لا يقضي عليه.
والعيب الرئيس هنا هو أن هذه القيود يمكن التحايل عليها بسهولة، وذلك لأنها لا تنطبق إلا على المكافآت، في حين لا تفصح البنوك عن المزيد بين الراتب والمكافأة. ففي الوقت الحالي يتلقى مديرو البنوك مكافآتهم في بداية كل عام، طبقاً لمستويات تستند إلى أدائهم الشخصي أثناء العام السابق. ومن اليسير للغاية أن يتم تحويل مكافأة العام الماضي، استناداً إلى الأداء في العام الماضي، إلى راتب هذا العام. وهذا الراتب، الذي يمكن دفعه نقداً بالكامل، خاضع للتفاوض في كل عام، الأمر الذي يعني القدرة على تفادي كل القيود التنظيمية. ومن دون تدخل مباشر من الحكومة فإن حل هذه المشكلة سيكون بالغ الصعوبة.
لكن في المؤسسات المالية الكبرى لا ينطبق الحافز إلى المقامرة على حساب دافعي الضرائب على المديرين فحسب؛ بل إنه يمتد إلى حاملي السندات، الذين يتمتعون في واقع الأمر بالحماية من قِبَل الحكومة. فبفضل قدرتهم على الوصول إلى الائتمان المضمون، يجد حاملو أسهم البنوك صعوبة كبيرة في مقاومة الاقتراض بشكل مفرط. وعلى هذا فإن تقييد مكافآت تحفيز المديرين من دون تغيير الحوافز التي تحرك حاملي الأسهم لن يسفر إلا عن إرغام حاملي الأسهم على المشاركة بشكل أكثر نشاطاً في الشركة واللجوء إلى سبل أخرى لزيادة مستوى خوض المجازفة.
وإذا كانت المشكلة كامنة في الخطر الأخلاقي المترتب على كون المؤسسة المالية أضخم من أن يُسمَح لها بالإفلاس، فإن الحل ليس تقييد المكافآت، بل إزالة الخطر بإرغام حاملي الأسهم على إصدار المزيد الأسهم أو خسارة أسهمهم حين تصبح ديون البنوك محفوفة بالمخاطر. وكما شرحت أنا وأوليفر هارت في دراسة نشرت أخيرا، فإن هذا من الممكن أن يتم بسهولة، من خلال تدخل الجهات التنظيمية كلما أصبحت سندات مقايضة العجز عن سداد الائتمان لدى المؤسسات المالية أعلى مما ينبغي.
وإذا كنا راغبين في التدخل في الرواتب, إضافة إلى (وليس بدلاً من) إصلاح متطلبات رأس المال، فإن الوسيلة الأكثر فاعلية تتلخص في شكل من أشكال الضريبة التي فرضها رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون: ضريبة خاصة على كل المكافآت والتعويضات الأعلى من سقف معين والتي لا يتم دفعها بأوراق مالية. وهذه الضريبة لا بد أن تخلف تأثيرات إيجابية: حيث إنها ستحث البنوك على إعادة تمويل رؤوس أموالها، وبالتالي ستحد من ميلها إلى الإفراط في الاستعانة بالروافع المالية (الاستدانة)، في حين ترغم المديرين على المشاركة بقدر أعظم من مصالحهم الخاصة في اللعبة.
لكن إذا كان الحل بسيطاً إلى هذا الحد، فلماذا لم تبادر أي هيئة منتخبة إلى تنفيذه؟ أخشى أن الساسة يريدون أن يظهروا بمظهر من لا تأخذهم شفقة في التعامل مع المصرفيين، لكنهم لا يهتمون بعلاج المشكلة حقا.