المستثمر الأجنبي وثقافة الاستثناءات

صدر نظام الاستثمار الأجنبي قبل عشر سنوات حاملا معه الكثير من الميزات التي تخص الاستثمار الأجنبي في المملكة. وتشجيع الاستثمار الأجنبي هو مطلب ضروري دون أدنى شك، ولكني هنا سأقصر حديثي على بعض الظواهر الطريفة التي ارتبطت بنظام الاستثمار الأجنبي ووجود المستثمر الأجنبي بيننا.
وباختصار شديد فقد دخل مسمى المستثمر الأجنبي منظومة الألقاب الاجتماعية التي يحلو لكثير من أفراد مجتمعنا أن يجمّل فيها اسمه وما أكثرها لدينا. المشكلة أن هذه الألقاب لا تمثل وجاهة اجتماعية فحسب، بل إنها مدعاة للاستثناء من النظام بشكل غير قانوني، فتجد بعضا من أصحاب هذه الألقاب هم من أهل الشفاعة الحسنة بل وغير الحسنة أحيانا. ويبدو أن هذه العدوى قد انتقلت إلى إخواننا من المستثمرين الأجانب الذين ألفوا هذه الاستثناءات وأصبح المعيار في ذلك هو ليس ما يقرره النظام لهم ـ وبسخاءـ بل أصبح المعيار هو (اللقب بذاته وحسب) أو هذه (الصفة القانونية) التي يقررها النظام لهم، فأصبحوا بموجب هذا (اللقب) أصحاب جاه ووجاهة. واستطاع المستثمر الأجنبي أن يمارس كثيرا من الطقوس الاجتماعية المرتبطة بالواسطة أو الشفاعة لدينا. فتمكن المستثمرون الأجانب من أن يساعدوا بعضا من شركائهم السعوديين أو حتى أولئك الذين هم من خارج دائرة الشراكة ويُعِينوهم على إنهاء بعض من معاملاتهم العالقة في الجهات الحكومية المختلفة، واتسعت خدماتهم في مجال استثمار عاداتنا وتقاليدنا العريقة في التعقيب، فقاموا بزيارة الدوائر الحكومية التي تقدم خدماتها لشركائهم السعوديين وهم بكامل أناقتهم المتمثلة طبعاً بالبدلة والكرافتة والشنطة ذات الماركة التجارية الفاخرة تماماً كما يفعل لدينا أصحاب الشفاعات من الإخوة المواطنين حينما يحملون معهم مشالحهم الممزوجة برائحة البخور أو دهن العود. وخلاصة القول فإن (لقب) المستثمر الأجنبي هو أفضل سلاحٍ يستخدمه المواطن في قضاء مصالحه ــــ إن لزم الأمر ـــــ فيكفي أن يشير إلى المسؤول الحكومي بأن لديه شريكا (بصفة مستثمر أجنبي) وأنّ إعاقة إجراءاته هي إعاقة لإجراءات هذا المستثمر الأجنبي، فما أن يقول ذلك إلا وتشرّع له الأبواب وتُصفد عنه شياطين البيروقراطية وتخرج معاملته من الأدراج والرفوف كما تخرج العروس مزفوفة إلى عريسها.
الطريف في الأمر هو أن مجموعة من المستثمرين الأجانب بالمملكة طلبوا إعفاءهم من الخضوع للتأمين الصحي بحجة أنهم أصحاب عمل وليسوا موظفين. هذا الطلب بدا لي غريبا نوعا ما، وارتبط بالنسبة لي بتفسير محدد وهو شعور هؤلاء المستثمرين بعدم وجوب خضوعهم لأي نظام آخر يخضع له أقرانهم من المقيمين غير السعوديين والذين لا يتمتعون بصفة مستثمر أجنبي.
وبالنسبة لطلبهم هذا فيمكن القول ببساطة إنه مخالف لنظام الضمان الصحي التعاوني لأن المادة الأولى منه تحدد هدف النظام بأنه جاء ليوفر الرعاية الصحية وتنظيمها لــ (جميع المقيمين غير السعوديين) في المملكة. فالنظام تبعاً لذلك لا يقتصر في أحكامه على المقيمين من العمالة الأجنبية أو أولئك الذين يسمونهم طالبي الإعفاء بالموظفين، وإنما يُطبق على كل من يحمل صفة مقيم بمن فيهم المستثمرون الأجانب أنفسهم، وذلك مع الأخذ في الاعتبار الاستثناءات النظامية.
وما ورد كذلك في المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من نظام الضمان الصحي التعاوني. هذا إذا ما علمنا كذلك أن المادة الخامسة عشرة من النظام قد نصت بشكل مباشر على خضوع المستثمر الأجنبي لنظام الضمان الصحي التعاوني فهي تنص على أن: يحل (المقيم غير المشمول بكفالة عمل) محل صاحب العمل في الالتزامات المترتبة على هذا الأخير بموجب هذا النظام".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي