تطوير العمل الخيري أداء وتمويلا (4)

عيد مبارك على الأمة، وكل عام والجميع بخير، تقبل الله منا جميعا الصيام والقيام وجعلنا وإياكم من الفائزين المقبولين.
تأثر الناس في أواخر شهر رمضان بأمر خادم الحرمين الشريفين صرف مساعدة إضافية تزيد على مليار ريال لجميع الأسر التي يشملها نظام الضمان الاجتماعي في المملكة لمساعدتها على تلبية مستلزماتها الطارئة في شهر رمضان وعيد الفطر. ونسأل المولى الكريم أن يكتب هذا في ميزان حسناته، وأن تكون وزارتا المالية والشؤون الاجتماعية قد وفقتا في سرعة صرف هذه المساعدات وإيصالها إلى مستحقيها. إن هذه المساعدة توضح مقدار التكلفة التى تتحملها الدولة في مجال الضمان الاجتماعي. فمن أجل زيادة دعم المستفيدين (وعددهم نحو مليونين ونصف المليون) بمبلغ 500 ريال تحتاج وزارة المالية إلى توفير نحو مليار و250 مليون ريال سنويا, لكن الزمن قد يتغير ولن تستطيع الخزانة العامة القيام بهذه الأعباء وحدها، فضلا عن إمكانية تأثرها بتقلبات عوائد النفط!
لذلك دعوت في سلسلة هذه المقالات إلى سرعة فتح المجال أمام مختلف مؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في الأعمال الخيرية. وهذا التطوير لن يخفف فقط عن كاهل الخزانة العامة، بل يحقق الأهداف الخيرية والاجتماعية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل! وللقارئ الكريم أن يتصور، على سبيل المثال، أننا لو رغبنا في توفير بوليصة تأمين طبي قيمتها ألف ريال لمستفيدي الضمان الاجتماعي البالغ عددهم حسب إحصاءات وزارة الشوؤن الاجتماعية نحو 2.5 مليون مستفيد، لاقتضى الأمر تحميل وزارة المالية مليارين ونصف مليار ريال سنويا. بينما لو هيأنا اللوائح والأنظمة التى تسمح للخيرين إنشاء مؤسسات خيرية طبية لأمكننا بمبلغ 200 مليون ريال إنشاء ثماني مصحات بسعة 100 سرير، بتكلفة لا تتجاوز 25 مليون ريال للمصحة الواحدة! وهذه أرقام مدروسة ومحسوبة بدقة أوردها هنا على ذمة خبير يعمل في المجال الطبي هو المهندس صبحى بترجي صاحب مستشفيات السعودي الألماني.
حري بنا إذن أن نبدأ بفتح وتنظيم كل الطرق الممكنة التى تساعد الدولة على أداء مسؤوليتها تجاه الفئات غير القادرة، عن طريق تفعيل دور المؤسسات الخيرية وتطوير هياكلها من أجل رفع مستوى أدائها ومد مظلة خدماتها لتشمل أكبر عدد ممكن من المحتاجين. ومن المعلوم أن للمؤسسات الخيرية هياكل تنظيمية متعددة بعضها موجود عندنا، وبعضها الآخر غير موجود لعدم توافر القانون الذي يسمح بقيامها. ومن ذلك, المؤسسات الخيرية اللاربحية التي تتقاضى رسوما رمزية ويسمح لها النظام بتكوين هوامش ربح منخفضة لكنها غير قابلة للتوزيع, إنما لإعادة تشغيلها في المؤسسة نفسها. وإننا إزاء تزايد أعداد السكان وزيادة طلبهم على مختلف الخدمات في حاجة إلى استيعاب تغيرات الحاضر ومسابقة الزمن في وضع اللوائح والأنظمة التي تعمل على سد الثغرة بين نمو الطلب على مختلف الخدمات والقدر المتاح منها. يجب أن نتخطى مرحلة اتخاذ القرارات القائمة على رد الفعل لمعالجة المشكلات بعد استفحالها. التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التى تواجهنا تتطلب منا رؤى ثاقبة واستراتيجيات متجددة تلاحق تغيرات الحاضر وتستشرف تطورات المستقبل القريب والبعيد.
إن سن قوانين تنظم عمل مثل هذا النوع من المؤسسات الخيرية غير الهادفة للربح، سيحدث نقلة نوعية في العمل الخيري في بلادنا. وستنتشر المؤسسات غير الهادفة للربح. ومن الممكن أن يكون لها سوق مالية خاصة بها يتعامل فيها الراغبون في عمل الخير في بيع وشراء الأسهم الخيرية ليس بغرض الاسترباح, إنما بغرض الحصول على السيولة. وميزة هذه الأسهم أنها تسمح بالمساهمة الخيرية المؤقتة! فقد يحتفظ البعض بمبالغ لغرض مستقبلي كتعليم أولاده او تزويجهم، لكن يمكنه الاستغناء عنها مؤقتا لمدة سنة أو سنتين وهو يرغب في المشاركة في عمل الخير، ففي ظل هذا الاقتراح نكون قد فتحنا المجال لعمل الخير ليس فقط أمام الراغبين في وقف مبالغ دائمة, بل حتى أمام الراغبين في المساهمة بمبالغ مؤقتة، ومعلوم أن المالكية أجازوا الوقف المؤقت. كما أن وجود لوائح تنظم هذا النوع من المؤسسات الخيرية اللاربحية يسمح لها توسيع خدماتها من خلال الحصول على تمويل طويل الأجل بتكلفة متدنية من البنوك التى لها برامج خيرية، ومن ثم توسع هذه المؤسسات خدماتها وتمدها لمدن متوسطة وصغيرة الحجم. إن فكرة هذا التنظيم الذى سيخضع لرقابة الدولة لا تقتصر على الخدمات الطبية, بل يمكن أن تتسع لتشمل خدمات أخرى كالتعليم والإسكان وتوفير المواد الغذائية وغيرها من السلع والخدمات التي تحتاج إليها الطبقات غير القادرة في المجتمع، فيتحقق لمجتمعنا الأمان والاستقرار المنشود. وللحديث صلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي