تطوير العمل الخيري أداء وتمويلا (6)

كان من جميل المصادفة أن وافق نشر سلسلة مقالاتي عن تطوير المؤسسات الخيرية، إعلان الديوان الملكي أمرين ملكيين أصدرهما خادم الحرمين الشريفين لهما علاقة بالعمل الخيري. الأول هو أمره السامي ـــ حفظه الله ـــ أواخر شهر رمضان، بزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي بما يزيد على مليار ريال. والآخر هو أمره ـــ أيده الله ـــ بإنشاء مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية. لقد ظهرت أعماله الإنسانية من قبل، وما قرار إنشاء المؤسسة إلا دليل على أهمية الشكل القانوني لأي عمل خيري. نسأل الله أن يكتب هذا في صفحات حسناته ويجزيه خير الجزاء.
هذا وكنت قد تلقيت عبر بريدي الإلكتروني تعليقات متعددة من بعض الإخوة القراء والمهتمين والناشطين في مجالات العمل الخيري، الذين تابعوا سلسلة مقالاتي عن العمل الخيري في بلادنا، ومنهم أخي الأستاذ إبراهيم باداود مدير برامج خدمة المجتمع في شركة عبد اللطيف جميل، تضمنت نقاطا مفيدة ومهمة، رأيت أن أعرضها للقراء. يقول باداود: تابعت قراءة مقالاتك المميزة عن تطوير العمل الخيري، وقد أعدت قراءتها من جديد بعد العيد لأجد أنها جديرة بالاهتمام والنظر في سبل تفعيلها على أرض الواقع. إنني أوافقك الرأي على ضرورة تطوير مؤسسات العمل الخيري، التي مضت عليها عقود عدة وهي تسير وفق أساليب تقليدية مبنية على جمع التبرعات والصدقات المتقلبة، فضلا عن أن أسلوب عملها ما زال قائما على الصورة التي تفضلت بذكرها في مقالك الأخير (من حيث إنها لا تدار بكفاءة عالية بسبب تواضع أدائها الإداري وآليات رقابة العمل فيها، وإنها في حاجة ماسة إلى رفع مستوى كفاءتها بتحويلها من تكيات حاضنة للفاشلين وغير المؤهلين إلى مؤسسات تحترف العمل الإداري المهني). أعتقد أن الهدف من تطوير العمل الخيري ليس تحجيمه أو تقييده، بل تطويره ليكون عملا راقيا مميزا لا يقل كفاءة عن أي عمل أو نشاط آخر مميز يجده الناس. ولك أن تتخيل عندما ترى واجهة إحدى تلك المؤسسات الخيرية مثل واجهة البنوك، وأسلوب العمل فيها يجاري أسلوب عمل أفضل شركة أو مؤسسة تجارية، ومستوى الخدمات فيها يرقى لأفضل المستويات. وحتى نصل إلى هذا المستوى، ليسمح لي سعادتكم أن أقترح ما يلي:
1- يجب أن تدار تلك المؤسسات (غير الربحية) بطريقة تجارية ـــ حتى ولو كانت لا تمارس التجارة ـــ، بمعنى أن كل مؤسسة يجب أن تُعامل وكأنها مؤسسة لها علامة تجارية ولها موظفون وسلم رواتب ومزايا وظيفية وخطط إدارية ومالية شأنها شأن غيرها من المؤسسات الخاصة، بل يجب أن تحرص تلك المؤسسات على تحقيق الربح (غير القابل للتوزيع) لتغطية مصروفاتها وتوسيع نشاطها وتطوير أدائها حرصا على ضمان دوام نشاطها تماما كما علق الأستاذ خالد السهيل في الجزء الخامس من مقالاتك. كما يجب أن تعمد تلك المؤسسات إلى الاستعانة بمكتب مراجعة محاسبي خارجي يقوم بمراجعة وتدقيق جميع البيانات المالية ونتائج الأداء، على أن تنشر بشكل دوري أمام الجميع بكل وضوح وشفافية.
2- يجب أن تتخصص كل مؤسسة في نشاط محدد ليتسنى لها تطوير قدراتها ومهارات العاملين فيها واكتساب خبرات كافية في مجالها حتى تكون معلما خيريا في مجالها.
3- أتمنى أن تصدر موافقة الجهات المعنية بالسماح للتجار بتوجيه جزء من زكاة أموالهم لتلك المؤسسات الخيرية إلى جانب ما يوجهونه لمصلحة الزكاة والدخل. فالذي يحدث اليوم أن التاجر يقوم بدفع زكاة المال لمصلحة الزكاة والدخل، وفي الوقت نفسه يقوم بتأسيس مؤسسة خيرية، بل وجدنا بعضهم يقيمها في دول أخرى. ولو تم وضع نظام بالتنسيق مع مصلحة الزكاة والدخل يتيح للتاجر تقديم زكاة تجارته أو جزء منها لتلك المؤسسات بعد اعتمادها لأسهم ذلك في زيادة انتشار مؤسسات العمل الخيري بشكل أسرع وأكبر.
4- نحن من نرفع من كفاءة العمل الخيري، ونحن من نقلل من قيمته، وكم أتمنى أن تعمد وزارة الشؤون الاجتماعية إلى وضع مقاييس ومعايير موضوعية لأفضل مؤسسات العمل الخيري في المملكة، تقوم بالدرجة الأولى على قياس عدد المستفيدين من كل مؤسسة، ونوعية الاستفادة وجودتها ونحو ذلك من المعايير، ثم تصدر الوزارة في كل عام قائمة بأفضل المؤسسات الخيرية أداء، وتكرم المميزة منها سنويا.
5- تجارنا وعامة الناس من الميسورين يعشقون العمل الخيري ويرغبون فيه، الذي يقف حائلا دونهم هو التقنين ووضوح قنوات التبرع ومقدار الثقة فيها. وأنا على يقين من واقع تجربتي، أن مؤسسات العمل الخيري لو تمكنت من تطوير مستوى أدائها بالشكل الذي أشرتم إليه في مقالاتكم فلن تواجه عقبة في التمويل.
6- أتمنى العمل على خصخصة النشاط الخيري وإخراجه من عباءة العمل الحكومي كلما كان ذلك ممكنا. هناك حاجة إلى مزيد من التنسيق والتكامل بين النشاط الاجتماعي الحكومي والخاص، بحيث يمكن للدولة أن توكل لتلك المؤسسات ـــ بعد أن تصل إلى ذلك المستوى المميز من التشغيل ـــ بعض المهام الخاصة بها لتسهم في تشغيلها في مجالات وخدمات تقدرها الحكومة.
واختتم الأستاذ باداود رسالته قائلا: هذه بعض الأفكار من وحي سلسلة مقالاتكم الجميلة عن (تطوير العمل الخيري أداء وتمويلا) آمل أن تسهم في تعضيد أفكاركم وأرائكم في تطوير هذا العمل الذي بات مجتمعنا في أمس الحاجة إليه. وأنا أشكره على هذه الإضافة الثرية. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي