متى ينهار سوق العقار؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال بعرض تحليل لوضع سوق العقار (نقصد بالعقار هنا الأرض أو الوحدات السكنية أو غيرها)، ونستنتج منه المصير الذي سيؤول إليه وضع العقار، ونستفيد من كارثة الأسهم خلال السنوات السابقة كموديل (تجربة أو فورميلا أو نموذج)، ونخلص إلى أننا نكرر ما سبق، وأننا حقيقة نسير على الطريق نفسه، وما هي إلا مسألة وقت ويصل سوق العقار إلى ما سبق، وإن وصل إليه سوق الأسهم ويلاقي المصير نفسه.
إن ما سنعرضه هنا مقابلة بين سوق الأسهم وسوق العقار فلا اختلاف جوهريا بين الاستثمار والمضاربة في سوق العقار أو في سوق الأسهم، ولتبسيط عملية التحليل نلاحظ ما يلي:
- السهم يقابل المتر المربع من الأرض في سوق العقار.
-مجموعة من الأسهم هي الأرض في سوق العقار.
- المحفظة مجموعة من الأراضي يديرها سماسرة.
- الشركة هي المخطط أو الموقع أو مجموعة أراضي لها المميزات نفسها.
- البنوك والوسطاء هم سماسرة العقار.
- متي يرتفع سعر السهم؟ يكفي لارتفاع سعر السهم بيع العدد المعروض من أسهم الشركة، ما يقابله في الأراضي بيع عدة أراض بسعر أعلى من الشراء فيرتفع سعر بيع المتر لجميع الأراضي في الموقع نفسه أو المخطط (ما سميناه الشركة) وأراض غيرها لا تشابه بينها وبالمثل انخفاض الأسعار. وهذا التغير في الأسعار أخطر بكثير مما يحدث في عالم الأسهم
ما معنى أن ينهار سوق العقار؟
المعنى العام، الذي يفهمه غير المتخصص في مجال كهذا هو خسارة كل من اشترى عقارا بهدف جني الربح، فإذا تحولت العملية إلى خسارة وفترة كساد ولا تجد المشتري فمعنى ذلك انهيار السوق، وحقيقة الأمر أنه لا يوجد لدينا سوق عقار، أي لا يوجد جهات رسمية تنظم البيع والشراء، ولا توجد عمليات مدروسة ومقننة ودراسات علمية لارتفاع وانخفاض أسعار العقار أرضا وبناء، ولا توجد طريقة أو آلية لتقدير السعر أو ما تدور حوله المناقشات بمسمى تثمين العقار، ولذلك نجد هذا التخبط في أسعار الأراضي فلا ارتفاع مبررا، ولا تناسب بين ارتفاع السعر والموقع، وهذا ما يشبه في سوق الأسهم ارتفاع سعر سهم شركة لا تجني ربحا وانخفاض سعر سهم شركة أخرى تتطور، وتحقق ربحا وهو ما يحدث نتيجة المضاربات والتحايل.
وحقيقة لا يوجد لدينا تنظيم أو تسعير أو غيره، وإنما تخبط وكأنه سوق أسهم وفوضى عارمة تتفوق على فوضى بعض أسواق الأسهم، ومنها سوق الأسهم عندنا، الذي انتهى بكارثة عانى وما زال يعانيها المواطن إلى يومنا هذا، وانتقل بسببها الكثير إلى الطبقة المحتاجة والفقيرة وظلت الكارثة شبه متوارية لأن البنوك تستقطع من الراتب، ويترك المواطن الضعيف ليخبط رأسه أين شاء، وكيفما شاء، ولولا ذلك لظهرت ملايين الشكاوى من البنوك وملايين المطالبات، وظهر الحجم الحقيقي للكارثة، ولكن ما بيد المواطن من حيلة.
وتجارة الأراضي وسوق العقار لا يختلف كثيرا عما حدث في سوق الأسهم مضاربا ومستثمرا، وفقد الاستثمار في العقار معناه وتحول إلى سوق أسهم تماما كسوق الأسهم قبل سنوات بسبب المضاربات، ةالتي يفهم منها الرغبة في تحقيق الأرباح الكبيرة في وقت قصير.
ويكفينا هذا التشابه بين العقارات وبين الأسهم لتقريب معنى الانهيار بين المتشابهين.
متى انهار سوق الأسهم؟
بعد أن ارتفعت أسعار الأسهم إلى خيال دون مبرر انهارت لماذا؟ لأنها وصلت إلى درجة التشبع فلم تعد هناك سيولة لدى صغار المساهمين أو المضاربين للشراء وبسعر أعلى وأيقن خبراء الاحتيال أنه قد آن الأوان للخروج من السوق ودون سابق إنذار وعندها بدأ التخوف من أن السوق بدأ يخسر أي أن أسعار الأسهم أخذت في النزول ويوما بعد يوم وبنسبة تراكمية مع أنه ليس هناك بيع تدريجي أدى إلى هبوط الأسعار، وكان يكفي أن يباع سهم واحد بأقل سعر حسب النسبة، التي أعتقد أنها كانت 10 في المائة وقتها، وهذا السهم الواحد المباع بهذا السعر جعل جميع أسهم الشركة تهبط بهذه النسبة، وهكذا بقية أسهم الشركات الأخرى حتى في بعض الأيام لم يكن هناك بيع أبدا، وإنما هبوط في الأسعار.
فلو عدنا إلى التشبيه السابق للأراضي بأنها مجموعة أسهم والمخطط أو المنطقة أو الموقع هو الشركة فنجد أن أي انخفاض في سعر الأراضي سيؤثر في بقية أراضي المنطقة أو المخطط (ما سميناه الشركة)، وهذا طبيعي، فلو أن صاحب الأرض احتاج إلى سعرها وباعها بسعر 10 في المائة نقصا عن سعر متر الأراضي المجاورة فسيبدأ، بناء على هذا، انخفاض أسعار الأراضي المجاورة، التي في المنطقة نفسها أو المخطط، ثم تبدأ مخاوف غيرها فليس جميع من يشتري أرضا هو في غنى عما يضع من أموال فيها، إنما هو باحث عن ربح أو أنه اشتراها، ويرغب في بيعها بعد فترة معينة لحاجته إليها. وربما يكون قد حدد مسبقا الوقت الذي يرغب في بيعها فيه، وكأنها شيك يمكن صرفه في الوقت الذي يريد وهذا الإيحاء وجد نتيجة لحالة فوضى بيع وشراء الأراضي التي مرت بها في فتره معينة سابقة. وهنا نلاحظ الشبه الكبير بين نظرتنا للأراضي حاليا أو قبل عدة أشهر من الآن ونظرة مستثمري أو بالأصح مضاربي الأسهم في تلك الفترة قبل عدة سنوات فكان يضع أمواله، وهو متأكد كل التأكيد أنه يستطيع أن يحصل عليها بعد يوم أو يومين على أكثر تقدير وبأرباح، ولكن هيهات فقد خسر المواطن كل ما يملك وزيادة، وهذه الزيادة ديون تسدد للبنوك، ولا نريد تقليب المواجع على المواطن، وكان من الأولى من هيئة سوق المال ومؤسسة النقد إلزام البنوك بالمشاركة في الخسارة، خصوصا على صغار المضاربين والمساهمين، لأنها كانت تحصل على أرباح بالمليارات مقابل عمليات حركة البيع.
فالشبه كبير بين سوق الأسهم وسوق العقار، ولكن هناك صعوبة بالغة في إدراك هذا التشابه ورؤيته رؤية العين والسبب الرئيس في ذلك هو عامل الزمن والسعر. عامل الزمن: لأنه لا يوجد إصدار يومي لسعر متر الأرض (السهم) مثل أسعار الأسهم، فلا مكان للمؤشر الأحمر أو الأخضر اليومي، وإنما مدة أيام أو أسابيع حتى يتم معرفة وضع سعر متر الأرض زيادة (أخضر) أو نقصانا (أحمر) على وجه التحديد الدقيق الأمر الذي يخفف الصدمة بل حتى المتمرس يخدع بهذه التقلبات. السعر: هناك اختلاف كبير، فالأرض هنا التي هي الأسهم لا يوجد من يقدر سعرها رسميا مثل الأسهم فمصدر معلومات الأسعار هم السماسرة أو ما يثار من شائعات حتى لو تم تقييم سعر الأرض، فلن تجد المشتري بالضرورة. والحالة الوحيدة هي تخفيض السعر أكثر وأكثر لمن أراد البيع حتى تأتي مرحلة عدم وجود مشتر بسعر مقنع لمن أراد البيع، ويستمر هذا السيناريو حتى نصل إلى الوضع الذي لا يريد أحد أن يراه، والسؤال هو: هل اقتربنا من انهيار سوق العقار؟
لمعرفة ذلك يجب أن نعرف أين نحن الآن، إننا نقف على البركان ونحسب أنه يداعبنا، وهو يحذرنا أنه الركود الذي تمر به أسعار، وحركة بيع الأراضي هو الإنذار الأخير الذي يسبق الانهيار إن مجرد زيادة ببعض أسعار بعض أراضي مناطق معينة ومواقع معينة لا يعني بالضرورة أننا نعيش طفرة في الأراضي. وإنما المؤشر الحقيقي لحيوية السوق هو أنك تستطيع أن تبيع أرضك متى ما شئت خلال أيام وبسعر الشراء نفسه على أقل تقدير، وهذا عكس وضعنا هذه الأيام صحيح أنك إذا أردت الشراء فإنك تستطيع ذلك بأسعار خيالية، لأن سماسرة العقار والواسطة بين المشتري والبائع هي الرابحة، ولا يمكن الشراء دونها، ولكن حركة البيع والشراء (التي هي متساوية نوعا ما) ضعيفة جدا، والبيع أصعب من الشراء وبلغة الاقتصاد العرض أكثر من الطلب.
فمتى ينهار سوق العقار؟
هناك أكثر من احتمال لهذا الانهيار
السيناريو الأول:
في حالة ظهور نظام الرهن العقاري، الذي كنت أتمنى أن أتكلم عنه بشيء بسيط من التفصيل لمحدودية معلوماتي عن خفاياه وإيجازا، فإن الرهن العقاري هو ترتيبات معينة تصدرها الجهة المعنية يضمن بها البنك المبلغ الذي يقرضه للمواطن لامتلاك سكن بعد تسديد القرض والضمان هنا هو رهن العقار.
وليس هدف البنك المبالغ اليسيرة التي يقترضها المواطن، ولكن هدفه الاستثمارات الكبيرة والمشاريع العقارية الضخمة فتتضاعف أرباحه لتصبح أرباحا من المشروع (من المستثمر) وأرباحا من المستفيد الأخير (الإند يوزر)، وهو الخاسر خسارتين وهو المواطن جاهلا بهذه الأمور كان أم خبيرا بها.
في حال صدور نظام الرهن فمن المتوقع أن تحدث حركة بسيطة في البيع (الذي قلنا إنه يساوي للشراء)، لأن الأراضي مرتفعة حاليا في السعر، وأي زيادة على الأسعار ستنهي البقية الباقية من أي أمل في تملك المواطن لقطعة أرض. وقد لا تستمر هذه الحركة لأكثر من عام أو اثنين ثم بعد ذلك يبدأ الانهيار الحقيقي فلا تجد من يشتري أرضا من مئات الأراضي المعروضة للبيع وسيكون الانهيار موصولا إلى أصحاب المخططات ومالكي الكيلو مترات. ويستمر السعر في الهبوط حتى يصل إلى 50 و60 في المائة، وستجد الأرض التي سعر مترها اليوم ألف ريال يصل سعرها إلى 500 ريال للمتر أو حتى 400 ريال، ولن تجد المشتري وقتها وتستمر حالة الانخفاض في الأسعار. ويتمهل عندها الراغب في الشراء، وينتظر وكلما طال انتظاره انخفض السعر حتى يصل إلى 30 في المائة تقريبا من سعرها الحالي والمتوقع أن يصل السعر 25 في المائة أو حتى 20 في المائة من أعلى سعر طلبه المالك، لتعود إلى الوضع الطبيعي قبل حصول جنون الأراضي مع زيادة معقولة مقبولة.
السيناريو الثاني:
في حالة عدم صدور نظام الرهن العقاري بالصورة المأمولة سيكون الانهيار بعد مدة أقل تصل إلى سنة أو سنة ونصف تقريبا ويتكرر السيناريو الأول نفسه. بالتأكيد ستكون هناك فترة كساد وملل وقلق شديد يسبق انهيار السعر مثل الفترة الزمنية التي مرت بالأسهم، ولكن الأيام هناك في عالم الأسهم تعادل أسابيع أو أشهرا هنا وساعات عالم الأسهم تعادل أياما في عالم العقار.
الخلاصة:
1. بعد سنتين ستنخفض أسعار الأراضي بمبلغ يساوي 25 إلى 50 في المائة من الزيادة غير المبررة والتي مرت بها وحسب موقعها.
2. خلال ثلاث سنوات سينخفض سعر متر الأراضي، التي ارتفعت أسعارها دون مبررات بمقدار يساوي 50 إلى 75 في المائة من الزيادة في السعر، وخلال عام بعد ذلك تقريبا تصل الأسعار إلى ضعف السعر الذي كانت عليه قبل الارتفاع على أعلى تقدير ويعود السعر لغالبية المواقع إلى ما كان عليه قبل موجة الارتفاع.
قد تجد أن كثيرا من محتكري الأراضي لن يبيعها بذلك السعر هذا ليس مهما، وإنما المهم أنه لن يجد من يشتريها.وإلى من يريد معرفة مصدر الاستنتاجات وهذه المدد بالتحديد. نود إيضاح أنها دراسة متكاملة لبيانات ومعلومات تحليلية لا يستفيد القارئ من نشرها، ولا يتسع لها المجال، ويمكن نشرها بإيجاز مستقبلا.
والمهم من هذا كله هل ستقف الجهات المعنية في الدولة لتتفرج وتشاهد المواطن، وهو يخسر أمواله في هذا السوق باحثا عن سكن مجبر أخاك لا بطر؟
الإجابة للأسف الشديد نعم. ومن لا يتفق معنا عليه أن يبين ماذا قدمت هذه الجهات للمواطن عندما انهار سوق الأسهم؟
عضو لجنة المقاولات في الغرفة التجارية في مكة