بيانات واشنطن عن هجمات محتملة .. هل هي تخويف وتسخين أم تحذير وتنوير؟
وجَّهت الإدارة الأمريكية تحذيرات لمواطنيها بالتزام الحيطة لدى السفر إلى أوروبا، وسط مخاوف من هجمات للقاعدة. وحمل التحذير ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة، خاصة في المناطق السياحية، في جميع أنحاء أوروبا، دون تحديد لبلد بعينه.
ويصر البيان الأمريكي في هذا الصدد على أن القاعدة قد أعدت فرقا من المسلحين تهاجم بالمدافع الرشاشة تجمعات السياح، خاصة الأمريكيين. ويتوقع البيان أن تكون المدن الرئيسة في أوروبا مسرحا لهذا العنف، خاصة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وسربت أجهزة الأمن معلومات أن الهجمات ستكون على غرار هجمات بومباي عام 2008. وانقسم الخبراء الأمنيون إلى معسكرين، الأول يقول إن الهجوم آت لا محالة، والثاني يرى أن أمامه وقتا طويلا ليحدث. ورغم تأكيد الإدارة الأمريكية من وقوع الهجوم، إلا أنها أعلنت عدم تأكدها من الهدف المختار: هل هو المسؤولون أم عينات عشوائية من عامة الشعب؟
وهناك التخوف من تعرض وسائل المواصلات للهجوم؛ لما يحدثه ذلك من زيادة في حجم الخسائر، وهناك آراء بأن الطائرات والسفن تأتي على قمة الأهداف المفضلة لدى مخططي هذه الهجمات.
ونظرا إلى أن هذه النداءات تؤثر بشدة في حركة السياحة والاقتصاد والتبادل التجاري فقد انقسمت الآراء حول مدى صحتها، فالبعض يطالب بفرض حالة طوارئ من الدرجة الثانية، التي تنطوي على اتخاذ إجراءات وقائية ورفع مستوى الحذر والإبلاغ عن أي تصرفات مشبوهة أو شخصيات غير معروفة وصلت إلى مناطق معينة. أما حالة الطوارئ من الدرجة الثالثة ـــ وهي الأهم والأكثر دقة ـــ فهي مُكلّفة للغاية؛ لأنها قد تتطلب زرع مزيد من رجال الأمن واتخاذ إجراءات مشددة على المستويات كافة، وفرض حالة من القلق على المواطنين والمقيمين.
ويبدو أن إدراك الولايات المتحدة للخسائر التي ستتعرض لها دول حليفة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا جعلها تخفف لهجة التحذير، حيث يصبح ''أقل من تحذير موجه للسفر''، واكتفت بالقول إن هناك تهديدا كبيرا.
وجاء رد فعل وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، أن بريطانيا ستواصل التشاور مع حلفائها للتصدي للمسلحين، وقالت: ''إنني أحث الشعب أن يبلّغ فورا عن أية تحركات مشبوهة؛ دعما لجهود الشرطة لكشف ومتابعة أي نشاط إرهابي''. أما وزير الداخلية الفرنسية بريس هورتوفو فقال: ''إن التهديد بوجود إرهاب تهديد حقيقي، ومع ذلك لن نرفع درجة الطوارئ في فرنسا، خاصة أنها الآن في المرحلة الثانية''. وأضاف: ''إننا نهتم بما يقولون ونضع تعليقاتهم في حسباننا. ونحن على أهبة الاستعداد وفي قمة اليقظة''.
وفي وقت لاحق جاءت التحذيرات الأمريكية بطريقة محددة عندما قال مسؤول أمريكي إنه بعد نشر أنباء عن الخطة المحتملة، فإن مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين واثقون من وجود خطة للقاعدة اشترك في وضعها أسامة بن لادن شخصيا.
رغم ذلك، لم ترد أية أنباء عن اعتقالات قامت بها أجهزة الأمن في الدول الغربية لعناصر مشتبه فيها، لكن المؤكد أن الرقابة قد جرى تشديدها على المواطنين المنتمين إلى أصول باكستانية في بريطانيا أو المنتمين إلى أصول أفغانية في ألمانيا.
وقد قامت الطائرات الأمريكية ـــ دون طيار ـــ بغارات واسعة النطاق على مواقع قبلية باكستانية بمعدل لا يقل عن 25 طلعة، وهو الأكثر كثافة على امتداد السنوات الست الماضية.
ويرى المحللون أن إثارة هذه الزوابع دون استناد إلى أدلة مادية تهدف إلى أمور عدة وتعكس حقائق عدة.
أولى الحقائق هي أن أيلول (سبتمبر) أيقظ الذكريات الأليمة لدى الأمريكيين لتأتي هذه الفزعة تعبيرا عن رعب وقلق وحزن مُدخَّر سكن في ذاكرة الأمريكيين وقلَب كيانهم وغيَّر نظرتهم للعالم وأسلوبهم في التعامل مع كل من يطأ أرضهم. والحقيقة الثانية هي استمرار شبح الخصم الآخر القابع في آسيا بكل ما تعنيه آسيا من ذكريات مخيفة (كوريا ـــ فيتنام)؛ ولذا فإن المطلوب الآن هو شحذ همم الدول الحليفة وتحذير الدول المضيفة للإرهابيين.
أما ما يهدف إليه الأمريكيون فهو مواصلة حالة التوتر العالمية التي تبعت 11 من أيلول (سبتمبر) عام 2001؛ لأن الفترة التي تبعتها حملت الكثير من الفوائد لأمريكا، وكرَّستها كقوة حاكمة تأمر فتجاب، وإلا فإن الرافض سيواجه بتهمة الإرهاب ومساعدة أعداء أمريكا. ومع غياب هذه الحالة بفعل الزمن، فإن أمريكا تريد إنعاش الذاكرة وإحياء العقلية السائدة بعد أيلول (سبتمبر) عام 2001 التي خلقت مناخا عالميا مواتيا لدعم الهيمنة الأمريكية بأقل تكلفة، فالعالم إما متعاطف معها أو خائف منها، وهو وضع استراتيجي يصعب تركه ليذوي ويختفي.
وقد يكون في الإعلام بعض الضغط على الدول ''المشبوهة'' لدى أمريكا، وعلى رأسها أفغانستان وباكستان، وضغط بدرجة أقل على جميع الدول الإسلامية والعربية لتواصل ـــ بنشاط ـــ مطاردة العناصر الكارهة للولايات المتحدة.
يستشهد بعض أصحاب الرأي على صحة ما ذهبوا إليه بما سيحدث قريبا عندما لا يحدث أي شيء مطلقا، ولن تجد أمريكا ـــ كما تعودت ـــ من يعاتبها ولا نقول لومها على ما تطلق من صيحات التخويف.
أما المعلقون ذوو المرجعية الأمنية فيرون في الإعلان والبيانات والتحذيرات ما يُسمى أمنيا بزئير الأسد، الذي يزأر فتهلع الحيوانات فتفزع وتهرب بعشوائية تسمح له باصطيادهم بسهولة أكبر مما لو كانوا مختبئين في أوكارهم وجحورهم. أي أن الولايات المتحدة تتوقع من تحذيرها أن تتحرك بعض القيادات القابعة قريبا منها إلى أماكن تراها أكثر أمنا، وهنا يتم اصطيادها بسهولة، خاصة مع ما لديها من إمكانات إلكترونية ومعدات حديثة في المطارات والفنادق.
لا شك أن المعركة مستعرة ومستمرة بين الولايات المتحدة منذ أعلنت نفسها حاكما مطلقا على العالم، ومع عديد من القوى التي ترفض المكانة التي نصبتها أمريكا لنفسها. وهذه هي سنن الحياة، وعلينا أن نتذكر القيمة الإعلامية والفائدة الإعلامية للخبر، فالولايات المتحدة لا تعلن خبرا إلا إذا كانت واثقة أنه بردود فعله سيؤدي لها خدمة. وها نحن نراقب وننتظر والأيام بيننا.