أعمال السيادة والقضاء الإداري
عرف القانون الإداري أعمال السيادة بأنها تلك الأعمال الصادرة من الدول بما تصدره الجهات العليا فيها والتي تدخل ضمن علاقاتها مع الدول الأخرى أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات دولية كانت أو إقليمية وما يماثلها من أعمال أو قرارات الهدف منها الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي والصحة العامة. والحقيقة أن أعمال السيادة ذات مدلول أكثر شمولا.
يقول أستاذ القانون الإداري الدكتور الطماوي:
إن معيار التمييز بين أعمال السيادة وغيرها والتي تكون إما عملا إداريا أو حكوميا،
فالعمل الإداري ليس عملاً سيادياً بينما العمل الحكومي سيادي، فيستقل كل عمل عن الآخر وبالتالي تتحقق ضمانات الأفراد ضد تعسف جهة الإدارة.
وقد أوضح فقهاء القانون الإداري المعيار في التمييز بين وظيفة السلطة التنفيذية الحكومية ووظيفتها الإدارية.
فيعتبر عملاً حكومياً الأعمال التي تتخذها السلطة التنفيذية أداء لوظيفتها الحكومية، بينما يعد عملاً إدارياً ما تصدره من أعمال وهي تباشر وظيفتها الإدارية.
ويقول الفقيه ديكرو إن وظيفة السلطة التنفيذية عبارة عن سلم واحد تشغله هيئة واحدة باسمين مختلفين فهي حكومة في درجاته العليا، وإدارة في درجاته الدنيا، بينما يذهب رأي آخر إلى القول بأن أعمال السلطة التنفيذية تصبح أعمالاً حكومية إذا ما كانت تنفيذاً لنص في الدستور أو أعمالاً إدارية إذا تعلقت بتنفيذ قانون عادي، وهذا الرأي محل نقد إذ يخلط بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة.
والمحصلة أن فقهاء القانون الإداري أقروا بعجزهم عن وضع معيار جامع مانع لأعمال السيادة وكاشف عن طبيعة .......... تميزها عن الأعمال الإدارية العادية ولذلك فالقول الحاسم في هذا الأمر، كما يقول هوريو أن تحديد أعمال السيادة بدقة يرجع إلى ما يقرره القضاء في هذا الشأن.
ولذلك فالتعريف الدقيق لأعمال السيادة، أنه كل عمل يصدر من السلطة التنفيذية وتحيط به اعتبارات خاصة كسلامة الدولة في الداخل والخارج ويخرج من رقابة المحاكم متى قرر له القضاء هذه الصفة.
وقد رسم مجلس الدولة المصري حدود أعمال السيادة بأنها الأعمال التي تتصل بالسياسة العليا للدولة والإجراءات التي تتخذها الحكومة بما لها من السلطة العليا للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل والخارج، كأمن الدولة والأعمال الحربية والعلاقات السياسية وما شابهها أ. هـ.
ولذلك فإن أعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة وتباشرها الحكومة بمقتضى السلطة العليا لتنظيم علاقاتها في السلطات العامة الأخرى داخلية كانت أو خارجية إذ تتخذها اضطرارا للمحافظة على كيان الدولة واستتباب الأمن الداخلي أو للذود عن سيادتها في الخارج.
ويرى البعض أن ثمة فرقا بين الحكومة والإدارة وأن ذلك الفرق يتجلى في عدم جواز الطعن على أعمال الحكومة كونها أعمالاً سيادية، بينما يكون الطعن جائزا في أعمال الإدارة كونها قرارات إدارية.
وهذا قول صحيح في ظاهره، لكن الاستطراد في القول بعدم جواز الطعن في الأوامر الملكية والأوامر السامية على وجه الإطلاق بمقولة إنها أعمال سيادية محل نظر، إذ لا يخفى أن طبيعة العمل وعما إذا كان سيادياً أم إدارياً تتحدد من خلال طبيعة موضوع ذات العمل وليس من خلال مستوى السلطة التي قامت به أو قررت إصداره، فعلى سبيل المثال لا الحصر: طبقاً لنظام الضباط في المملكة، فإن الملك يختص بإصدار الأوامر بإنهاء خدماتهم، فهل إذا أصدر الملك قراراً أو أمراً بإنهاء خدمة ضابط - أياً كانت رتبته - يعد ذلك عملاً سيادياً أم أنه في حقيقته وحسب تكييفه القانوني الصحيح قرار إداري يدخل في عداد الأعمال الإدارية المعتادة؟
وقد تضمن نظام ديوان المظالم السعودي الصادر أخيرا نصا يمنع المحاكم الإدارية من نظر دعاوى أعمال السيادة، كما أن بعض أحكام الديوان اشتملت على تعريف أحكام السيادة، بحيث عرفتها أنها تلك الأحكام التي تصدر عن ولي الأمر باعتباره سلطة حكم لا سلطة إدارة، كما أن بعض منها جاء بتفصيل لأعمال السيادة لم ينص عليه في النظام ولكنها أوضحت أن اصطلاح أعمال السيادة لا يشترط فيه وجود تعريف له في فقه الشريعة الإسلامية وليس هناك ما يمنع من وجود نوع معين من القرارات الإدارية في الاصطلاح.
كما هو الشأن في إطلاق اسم القرارات الفردية على بعض نشاطات الإدارة وإطلاق اسم القرارات الإدارية واللائحية على بعضها الآخر إلى غير ذلك من التسميات التي لا تعدو كونها مجرد اسم لنشاط أو عمل ما.
وبذلك فإن قرارات الدولة إذا كانت لها علاقة بالسياسة الداخلية أو الخارجية فإنها تعد من أعمال السيادة.
وإجمالا فإن مصطلح أعمال السيادة يدل في لغة العصر على جملة القرارات الإدارية الخاصة.
ولا فرق في فقه الشريعة الإسلامية بين أن يأتي بمصطلح يدل على جميع تلك القرارات إذ إن لولي الأمر ـــ صاحب الولاية القضائية الأصلية ـــ أن يولى القضاء عاما من حيث النوع والمكان وأن يحدد ذلك من حيث الأمرين أو أحدهما, وله أن يقيد نظر بعض القضايا بشيء من القيود للمصلحة العامة, ولا جدال في أن ما لم تول عليه الجهة القضائية أصلا لا يجوز لها شرعا أن تنظره لعدم ولايتها عليه, وكذا ما جعل لها حق نظره بقيد لا يجوز لها أن تنظره إلا عند وجود القيد لعدم ولايتها أيضا في نظر ما يخرج عن القيد, ولذا فإنه يتعين على الدائرة الامتناع عن نظر جميع الدعاوى الداخلية ضمن إطار ما يسمى بأعمال السيادة, لا لأنها داخلة ضمن هذا الإطار فقط وإنما لأن ولي الأمر لم يعط للديوان الولاية في نظر ما يدخل ضمن ذلك من الدعاوى.
وقد فصل الفقهاء ذلك من صلاحية ولي الأمر أن يعهد في مجال القضاء وفق ما يلي:
1- عموم النظر في خصوص العمل.
2- عموم العمل في خصوص النظر.
3- عموم العمل في عموم النظر.
4- خصوص العمل في خصوص النظر.
ويحدد رئيس الدولة أو ملكها (ولي الأمر فيها) لجهة القضاء الإداري عند توليتها جميع القرارات التي تخرج عن ولايتها ومنها إبرام المعاهدات وإعلان الحرب وإعلان الأحكام العرفية وإبعاد الأجانب ومنح اللجوء السياسي وحل المجالس ''النيابية'' أو ما يعرف بـ ''البرلمان'' أو ما يعرف في بعض الدول بمجلس الشورى، كما في السعودية ويقرر القضاء الإداري ''المحكمة الإدارية في ديوان المظالم السعودي'' كون العمل الذي هو محل أي دعوى في أن يعتبر من أعمال السيادة أم لا.
لكن دوره وللأسف يتوقف عند هذا الحد بينما نجد أن المعمول به قضاء في الدول الأخرى يعطي لأعلى جهة قضائية النظر في أعمال السيادة مثل القانون المصري الذي أعطى مجلس الدول حق تقرير وتحديد المحكمة المختصة بنظر دعاوى أعمال السيادة.
وإننا لنتوق بأن يصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الكريم بإنشاء محكمة دستورية عليا تكون لها الرقابة على الأنظمة والأوامر والتعليمات كافة، بحيث تمتد سلطتها إلى مدى دستورية هذه الأنظمة من عدمه وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية التي هي دستور المملكة.
والله ولي التوفيق.