الوقود الأحفوري وفجوة الاستثمار

في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو الطاقة النظيفة وتزايد الحديث عن الحياد الكربوني، يشهد قطاع الوقود الأحفوري تراجعا ملحوظا في الاستثمارات الجديدة. هذا التراجع لا يأتي فقط من بعض الجهات الحكومية التي تفرض قيودا بيئية وتنظيمية، بل أيضا من المستثمرين الذين أصبحوا يتجهون نحو ضخ رؤوس أموالهم في مشاريع الطاقة المتجددة.
هذا السلوك قد يخلق في رأيي فجوة استثمارية خطيرة في قطاع الوقود الأحفوري، ستكون لها آثار سلبية مباشرة على توازن العرض والطلب في المستقبل، وقد تؤدي إلى اضطرابات واسعة في أسواق الطاقة. الوقود الأحفوري، رغم التحديات البيئية المرتبطة به، لا يزال يشكل العمود الفقري للطاقة العالمية، حيث يلبي النفط والغاز الطبيعي والفحم ما يزيد على 80% من احتياجات العالم من الطاقة. من المتوقع، بحسب كثير من الدراسات، أن يستمر الطلب عليه لعقود مقبلة، خاصة في الدول النامية التي تنمو اقتصاداتها بوتيرة متسارعة.
في المقابل، فإن الاستثمارات الحالية في مجالات الاستكشاف والإنتاج والتكرير تتراجع بشكل واضح، ما ينذر بحدوث شح في المعروض على المدى المتوسط والبعيد. أعتقد أن هذا الشح سيفرض تحديات كبيرة على الأسواق العالمية، وسيؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار نتيجة عدم قدرة الإمدادات على مواكبة الطلب المتزايد. عندما تقف الأسواق أمام واقع يتسم بندرة المشاريع الجديدة وتراجع الإنتاج، فإن الأسعار تصبح عرضة لتقلبات حادة وارتفاعات مقلقة، وهو ما سينعكس على المستهلك النهائي، سواء من خلال فواتير الكهرباء أو أسعار الوقود أو حتى تكاليف النقل والسلع الأساسية.
لذلك، أرى أن التعامل مع مستقبل الطاقة لا يجب أن يكون من منطلق الاستبعاد، بل من منطلق التكامل. العلاقة بين مصادر الطاقة يجب أن تكون علاقة تكاملية لا تنافسية، فالطاقة المتجددة والوقود الأحفوري ليسا خصمين في معركة صفرية، بل شريكان في مسيرة تحول الطاقة العالمية، حيث تحتاج الطاقة المتجددة إلى وقت وتقنيات وبنية تحتية حتى تتمكن من تلبية الطلب العالمي بكفاءة وموثوقية، في حين يظل الوقود الأحفوري المصدر الأكثر جاهزية لتلبية احتياجات الطاقة الحالية.
في رأيي، الاعتماد المفاجئ على مصادر الطاقة المتجددة دون تأمين بدائل كافية وموثوقة قد يؤدي إلى اختلال في أمن الطاقة العالمي، ولهذا أعتقد أن الاستثمار المستمر والمدروس في الوقود الأحفوري، إلى جانب التوسع المتزن في الطاقة المتجددة، هو الخيار الأمثل لضمان انتقال سلس وآمن نحو مستقبل طاقة أكثر استدامة. إن توازن الاستثمار بين الحاضر والمستقبل، وبين الحاجة البيئية والواقعية الاقتصادية، يمثل الطريق الصحيح نحو تحقيق أمن الطاقة واستقرار الأسواق دون الإضرار بالمستهلك أو الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي