القوة السياسية للنفط السعودي

بلغة الكبار أكدت المملكة وهي تحتفل أمس الأول مع زملائها في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بمرور 50 عاما على تأسيسها، أنها ورغم كونها من المؤسسين الأوائل واللاعب الرئيس على مسرح أهم سلعة استراتيجية يتداولها البشر اليوم، وباحتياطي مؤكد يفوق 25 في المائة من مما تتملكه الأرض من الذهب الأسود، إلا أن سياستها النفطية ظلت وستظل هي الاعتدال والتوازن وحماية المصالح المشتركة لكل المنتجين والمستهلكين أيضا.
معلوم أن وزن الدول في المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن أو مجموعة الثماني، أو اتحاد "أيبك" أو المفوضية الإفريقية، مثلا .. يقاس في الغالب بالوزن الاقتصادي لهذه الدول والتي تستغله في الغالب لخدمة مصالحها الاستراتيجية، المملكة تعمل على ذلك داخل "أوبك" ولكن بصورة مختلفة، تضمن عدم التعرض لسيادة أي دول عضوة في المنظمة، فالحقوق متساوية والواجبات كذلك، كما أكد الوزير النعيمي والأمير عبد العزيز بن سلمان في حديثهم أمس الأول.
لقد جنبت المملكة وعلى مدى أكثر من 50 عاما النفط كسلعة دولية لا تحتمل الأسواق المساس بها، عن السجالات السياسية في منطقة مشتعلة وعالم لا يزال يخوض الحروب، من منطلق السياسة العليا للمملكة المتمثلة بالاهتمام بالسلم والتعاون والرخاء العالمي في المقام الأول، وإيمانا منها بأن ذلك خطأ اقتصادي فادح في المقام الثاني.
لم تتعامل السعودية مع الدول أو الأسواق أو الأعضاء في" أوبك" ولو لمرة واحدة على أساس أنها المنتج الأكبر للسلعة دوليا، وأنه يمكنها إحداث الإرباك سواء اقتصاديا أو سياسيا ، رغم أنها تشارك في مؤسسات دولية مهمة ليس آخرها طاولة مجموعة العشرين والمنوط بها إعادة صياغة النظام المالي العالمي، بل انتهجت سياسة نفطية قائمة على ضمان استقرار الأسواق في كل الظروف وتحقيق العوائد على المدى الطويل، وليس تحقيق عوائد مؤقتة أو آنية.
يقول النعيمي بخصوص قرارات منظمة أوبك، مثلا " تراعي المنظمة في قراراتها مصالح الدول الأعضاء الـ 12، ومصالح الدول المنتجة للنفط بشكل عام، والصناعة النفطية العالمية، ومصالح الدول المستهلكة التي تمثل السوق الرئيسة لإنتاج دول المنظمة، إضافة إلى ذلك فإن المنظمة في قراراتها تراعي وضع الاقتصاد العالمي ونموه، وبالذات اقتصادات الدول النامية، كما يتم التوازن في هذه النواحي بين المصالح الآنية، والمصالح والحاجات المستقبلية''.
بينما يؤكد الأمير عبد العزيز بن سلمان " للمملكةِ دورٌ تاريخيٌ في تأسيسِ منظمةِ أوبك وفي تقديم الدعم المتواصل لتكونَ منظمةً دوليةً تضطلعُ بمسؤولياتِها، ولتسهمَ كذلك في دعمِ الاقتصادِ العالمي جاعلةً من النفط طاقةً للبناءِ والعمران، وهو ما عبَّر عنه خادمُ الحرمين الشريفين في كلمتِه التاريخيةِ التي ألقاها في قمةِ أوبك الثالثةِ التي شهدتْها مدينةُ الرياض في 2007، حيثُ أكدَّ ـــ أيده الله ـــ أن أوبك تتصرفُ دوماً من منطلقِ الاعتدالِ والحكمة، ومدِّ جسورِ الحوارِ مع الدولِ المستهلكة، ولم تُغفِلْ مسؤولياتِها تجاهَ الدولِ الناميةِ ومكافحةِ الفقر''.
تلك هي اللغة التي تستخدمها المملكة في المحافل الدولية على مدى عقود ولا تزال ثابتة عندها.. بقي أن نؤكد أنه ورغم كل تلك المزايا الاقتصادية إلا أن المملكة لم تهمل يوما توظيف هذه الهبة الربانية في خدمة مصالحها الوطنية، كقوة اقتصادية يمكن توظيفها سياسيا، ولكن على طريقة "الكبار" وليس بلغة الابتزاز أو الضغط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي