مقترح لتعزيز دور المملكة في الصناعة المالية الإسلامية

تمثل المملكة العربية السعودية وجهة روحية لجميع المسلمين على وجه الأرض لما أكرمها الله باحتضان الحرمين الشريفين. كما تمثل المملكة ''قبلة'' اقتصادية عالمية للمسلمين وغير المسلمين لما حباها الله من ثروات طبيعية أهمها النفط. وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تأخذ المملكة مكانتها في لعب دور محوري في رسم الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية كما رأينا عندما برز دور المملكة بشكل واضح خلال الأزمة المالية العالمية الحالية.
إن نظرة متفحصة للدور الذي تضطلع به المملكة - على أهميته - مقارنة بما هو ممكن؛ ينبئ عن إمكانيات متاحة هائلة خاصة على المستوى الاقتصادي. وسوف أقتصر في هذا المقال على الجانب المتعلق بالخدمات المالية والمصرفية الإسلامية.
فإنه وعلى الرغم من المكانة الاقتصادية والروحية للمملكة؛ وما سبق للمملكة من لعب دور مهم في مجال الاقتصاد الإسلامي من خلال إنشاء البنك الإسلامي للتنمية ومركز الاقتصاد الإسلامي الرائد في جامعة الملك عبد العزيز واحتضانها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، فإن دولاً أخرى (إسلامية وحتى غير إسلامية) أخذت زمام المبادرة في قيادة التطوير والنمو في الصناعة المالية والمصرفية الإسلامية. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم الوصول إلى استغلال الطاقات الكامنة للمملكة في لعب دورها القيادي كمركز مالي إسلامي عالمي متطور.
لقد بات إدراك أهمية المملكة في الصناعة المالية الإسلامية أكثر من ذي قبل، وباتت المؤسسات المالية الإسلامية تأخذ دورها في النشاط الاقتصادي فيها. ومن المتوقع أن يتوسع هذا الدور بشكل كبير كمياً ونوعياً في السنوات المقبلة ـ بإذن الله. وهذا يضع المسؤولين عن اتخاذ القرار الاقتصادي في المملكة أمام تحد مهم في تنظيم هذه الصناعة ووضع قواعد وأسس متينة لها حتى يتم تهيئة البيئة المناسبة التي تطور عمل المؤسسات الموجودة وتنظم دخول وعمل المؤسسات المالية الجديدة ومنتجاتها.
إن ما سبق يفتح الباب أمام مناقشة اقتراح يتمثل في تطوير هيكل نظام مالي إسلامي يتولى تنظيم القطاع المالي والمصرفي الإسلامي في المملكة، ويعمل إلى جانب القطاع المالي التقليدي. كما يمكن أن يمثل نواة لتحول القطاع المالي السعودي بكامله نحو الالتزام الكامل بالشريعة الإسلامية. وتكمن الأهمية الاستراتيجية للهيكل المقترح في التأسيس لانطلاقة قوية وثابتة تستفيد من تجارب الدول الأخرى التي سبقت في تنظيم هذه الصناعة والبناء عليها، والتخطيط للاستفادة القصوى من ميزة المكانة الدينية للمملكة والثقل الاقتصادي الذي تملكه.
سيعمل وجود النظام المالي المقترح على تحفيز النظام المالي الكلي من خلال تحقيق نسبة أعلى لتشغيل الموارد المالية وفتح قنوات لتحويل الأموال الفائضة نحو تمويل المشاريع الاقتصادية وتمويل احتياجات الأفراد، بدل تكديس الأموال في المصارف التي غالباً ما تحجم وقت الأزمات عن تقديم التمويل. وكذلك تحقيق التوافق ما بين الالتزام الديني للشعب السعودي وتحقيق أعلى عوائد اقتصادية ممكنة.
من الفوائد المرجوة لوجود هيكل تنظيمي مستقل للصناعة المالية الإسلامية بالمملكة:
- تنظيم عملية الرقابة الشرعية والفتاوى المالية.
- توعية المواطنين من مستثمرين وغيرهم بأساليب التمويل والاستثمار الإسلامية.
- توطين الأموال المحلية الراغبة بالاستثمار الحلال خارج المملكة.
- تعميق سوق رأس المال وتوسعته من خلال تطوير أدوات مالية إسلامية جديدة وزيادة حجم التداول في السوق.
- المساهمة في تأسيس سوق نقد إسلامي للأدوات المالية الإسلامية قصيرة الأجل.
ويمكن الوصول إلى الفوائد المذكورة من خلال القيام بالمهام التالية التي يمكن أن توكل للنظام المقترح:
- الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في المملكة.
- الرقابة على إصدارات صناديق الاستثمار من الصكوك الإسلامية المختلفة.
- التأكد من مطابقة ممارسات هذه المؤسسات ومنتجاتها مع الشريعة الإسلامية.
إن العمل على إنشاء هذا النظام المالي الإسلامي ليس من السهولة بمكان، فهناك تشعبات تتعلق بالبيئة القانونية القائمة التي تحكم عمل المؤسسات الرقابية القائمة. وهناك جوانب شرعية وتنظيمية مختلفة لا يتسع هذا المقال لتناولها. وبالتالي فإن العمل على مناقشة هذا الموضوع من خلال ندوة متخصصة أو لقاء تشاوري تنظمه مؤسسة متخصصة أو مركز ذو علاقة بالموضوع سيعد خطوة عملية للتفكير بجدوى هذا المقترح للمملكة ولصناعة التمويل الإسلامي على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي