قطاعنا المصرفي «نموذج».. لكن بملامح غامضة!
منح صندوق النقد الدولي أخيرا شهادتين إضافيتين مهمتين عن متانة القطاع المصرفي السعودي، وقدرة السلطات المالية والنقدية في المملكة على تنفيذ السياسات الاحترازية، ونجاعة الجهود التي بذلت وتبذل لإبقائه داعما لمؤشرات النمو في المملكة وصحيحا من"العلل العضال".
فبعد أن ثمن التجربة السعودية عبر المطالبة بالاقتداء بها في تقرير صدر قبل أيام تحت عنوان ''آفاق الاقتصاد الإقليمي: منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ـ أكتوبر 2010''، عندما دعا القطاعات المصرفية في الخليج والمنطقة إلى اتباع نهج المملكة في ضبط إيقاع قطاعها المصرفي، عبر رصد مخصصات خسائر القروض على أساس معاكس للاتجاهات الدورية، لمعالجة نسبة القروض البنكية المتعثرة المرتفعة في عدد من دول مجلس التعاون، عاد ليؤكد في تقرير آخر إحصائي أن القطاع المصرفي السعودي أقل القطاعات المصرفية الخليجية تعثرا.
إذ كشفت دراسة متخصصة أعدها الصندوق بعنوان "الديون المتعثرة في القطاع المصرفي الخليجي وانعكاساتها على الاقتصاد الكلي الخليجي"، والتي رصدت حجم الديون المتعثرة في القطاع المصرفي الخليجي خلال الفترة من 1995 إلى 2008 ، وفي 80 مصرفا، عن أن معدل نسبة الديون المتعثرة بلغ أدناه في القطاع المصرفي السعودي عند 7.3 في المائة من نسب التمويل، فالقطاع المصرفي الإماراتي عند 9.6 في المائة، فالقطاع المصرفي العماني عند 11.3 في المائة، فالقطاع المصرفي القطري عند 11.5 في المائة، فالقطاع المصرفي الكويتي عند 12.5 في المائة، وأخيراً القطاع المصرفي البحريني عند 14.8 في المائة.
كل ذلك حقيقة وجميل.. المشكلة في نظري أنه ورغم "وردية قطاعنا المصرفي" ورغم أننا على يقين بأنه في مأمن من المصاعب الجسام، إلا أننا حتى اللحظة ومنذ انطلاقة استراتيجيات المخصصات المعلنة في القوائم المالية الدورية للبنوك قبل نحو عامين، لا نعلم أو لا نملك معلومة واحدة عن ماهية تلك الخسائر التي ترصد لها المخصصات، ولا القطاعات أو الفئات التي تعثرت في سداد مستحقات تلك البنوك، هل هم أفراد أم شركات؟ هل هي استثمارات أم قروض؟ هل هي محلية أم خارجية؟ ولا الطرق التي انتهجت أو فرضت لمنع تكرار تجربة إجبار البنوك المحلية على رصد المليارات من أرباحها لمعالجة التعثر.
كيف إذا يمكن لمؤسسات القطاع المالي الخليجي أو القطاع المصرفي في المنطقة الاستفادة من تجربة ممتازة، ولكنها غير معلنة، أو للتصحيح ليست كاملة المعالم والملامح؟ فلا تصريحات المسؤولين في تلك البنوك شرحت ما قبل وما بعد التعثر.. ولا المؤسسات المعنية فسرت ذلك، ولا القوائم المالية, والتي هي من أبسط حقوق المساهمين والجمهور شرحت ماهية تلك الخسائر.
وعند هذا النقطة أختم بالتأكيد على أنه ما زالت ثمة حاجة إلى تعزيز الأطر التنظيمية والعمل الرقابي في قطاعنا المصرفي، وتعزيز الاحتياطات الوقائية من السيولة ورأس المال، ومعالجة قضايا المؤسسات المؤثرة في النظام المالي بصورة أكثر شفافية مما شهدنا، وكذلك مكاشفة الجمهور بالممارسات المتبعة لتسوية أوضاع البنوك المتعثرة، لكي تصبح تجاربنا الناجحة نماذج مثالية.