العمل وسن التقاعد
العاملون في القطاع الحكومي في الغالب فئتان: فئة تعمل 48 ساعة في الـ 24 ساعة, وفئة تعمل ساعة في 840 ساعة, بمعنى أن هناك من يعمل بكل جد وإخلاص ورغبة صادقة في التطوير والإنجاز, لا يهدأ له بال ولا يستقر له حال, كثير العمل والتنقل والسفر ومتابعة الأعمال والأحوال, ولهذا يعتبر يوم عمله بثلاثة أيام أو أكثر من عمل غيره ممن يجيدون فن المراوغة والغياب وكثرة الأعذار والتقارير الطبية والإجازات المرضية والمرافقة والمرافعة, إلى آخر القائمة التي تعكس ضعف العطاء والولاء والإنجاز لهذه الفئة التي كما قلت لا تعمل إلا ساعة في كل ألف ساعة.
الفئتان العاملة والنائمة يحتاج العمل الحكومي خلال حقبة زمنية إلى التخلص منهما, الفئة الأولى العاملة بعد سنوات من العمل تصبح مرهقة وغير قادرة على التفكير الإيجابي والتطوير الأمثل, ما يحول عطاءها وعملها إلى عطاء وعمل مكررين لا جديد فيهما, وبهذا يصبح أثرها في تطوير العمل سلبيا ثم إنها ودون أن تشعر تكون في أمس الحاجة إلى الراحة والاستقرار والتمتع بنعم الحياة الأخرى غير العمل والجري الدؤوب في أروقة المكاتب, هذه الفئة يجب ألا يتجاوز عمرها الوظيفي ربع قرن, لأنها بنهاية ربع القرن تكون قد اقتربت من منتصف القرن, بمعنى أن أعمار هذه الفئة بين 50 و55 عاما, ولأنها تملك خبرة علمية وعملية ممتازة فإن المجتمع في أمس الحاجة إلى الاستفادة من توثيق خبراتها بعد عدد من سنين العمل, ولهذا فإن تركها العمل في عمر 55 سنة يحقق ثلاث فوائد, الأولى إعطاؤها الفرصة للراحة بعد عناء العمل الشاق والمفني والطويل, والثانية إعطاء فرصة لجيل جديد لأخذ المسؤولية وتطوير العمل, والثالثة أن هذه الفئة من الكفاءات العاملة والمطورة والمنجزة يجب أن توثق تجاربها العملية لجعلها مراجع علمية وعملية للأجيال القادمة لأن المكتبة السعودية تفتقر إلى النماذج والتجارب السعودية الناجحة للاستفادة منها في التعليم وجعلها قدوة في الأداء والعطاء.
الفئة الثانية من العاملين في القطاع الحكومي هي الفئة النائمة المهدرة لكل طاقات وقدرات الوطن, هذه الفئة التي تسبب وتتسبب في تأصيل البيروقراطية الحكومية السلبية وتؤدي إلى ترهل المؤسسة الحكومية وربما فسادها, تعوق حقوق المواطنين وتتسبب في تعطيل المشاريع وإضاعة المال العام, وتجعل من الوظيفة الحكومية مصدرا للرزق الحرام وإنجاز المصالح الخاصة إلى آخر القائمة التي يعرفها كل عامل في القطاع الحكومي, هذه الفئة لأن نظام الخدمة المدنية وبعض الأنظمة الأخرى تحميها ولا تساعد على التخلص منها إلا بشق الأنفس, لذا فإن الأمر يتطلب التخلص منها وفقاً لنظام التقاعد بحيث لا يتجاوز عمرها في العمل 55 عاما, بمعنى يكون هذا هو سن التقاعد, وبالتخلص من هذه الفئة الفاسدة فإننا نعطي المؤسسات الحكومية الفرصة لاستقطاب كفاءات جديدة قابلة للتطور والإصلاح بدل هذه الفئة الجامدة الفاسدة.
بعد هذا الإيضاح الموجز لفئتي العمل الحكوميتين: فئة العاملين وفئة العاطلين, وحاجة المؤسسة الحكومية إلى ضخ دماء شابة جديدة لها, وبما أننا ــ كما يقال ــ نعاني بطالة مرتفعة, فإننا بخفض سن التقاعد من 60 عاما إلى 50 عاما أو 55 عاما كحد أقصي, وألا يكون الاستثناء إلا في حالات خاصة ومهمة وضرورية جدا, سنحقق للأطراف الثلاثة ما يمكن أن أسميه القرار الإيجابي, للفئة العاملة الراحة بعد العمل المفني والتفرغ لتوثيق التجارب وتنقية الروح والجسد مما علق بها خلال رحلة العمل, وللفئة النائمة إعطاؤها الفرصة للنوم دون الحاجة إلى دفعها للكذب واختلاق الأعذار والتقارير المزيفة, وللحكومة التجديد المستمر واستقطاب الكفاءات القادرة على انتشالها من وضعها المترهل البيروقراطي, لهذا دعونا نفكر بهدوء وروية حول فكرة تخفيض سن التقاعد إلى 55 عاما بدل 60 مثلا, أما ما يحدث في دول مثل فرنسا وبريطانيا فلأن التعداد السكاني للسكان الأصليين في انخفاض ونسبة كبار السن أعلى, وهو عكس المملكة, فإن نسبة الشباب تحت سن 25 تزيد على 60 في المائة. وللحديث بقية.
وقفة تأمل:
''إن الوظيفة لا تدوم لواحد
إن كنت في شك فأين الأول
فابذل من الفعل الجميل صنائعا
فإذا عزلت فإنها لا تعزل''