هل أوروبا قادرة على اللحاق بركب التقدم التكنولوجي؟
في عام 2024 أطلق ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق خطة تهدف إلى تعزيز تنافسية الاقتصاد الأوروبي. ركزت أهم بنود الخطة على ضرورة تعزيز الاستثمار في القطاعات المتقدمة وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والحوسبة السحابية.
خطة دراجي جاءت في توقيت مهم، حيث تعاني مختلف الاقتصادات الأوروبية تباطؤا كبيرا نتيجة الانكماش في القطاعات الإنتاجية. بينما يشهد المنافسون وبالأخص الصين والولايات المتحدة معدلات نمو جيدة، على الرغم من الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي. يقود النمو في تلك الدول الصناعات المتقدمة وعلى رأسها التكنولوجيا.
يتجلى التراجع الأوروبي عند مقارنة عدد شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في العالم. ففي المقدمة تأتي الولايات المتحدة بأكثر من 5.5 ألف شركة ناشئة تعمل في مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي، بينما في المرتبة الثانية تأتي الصين بأكثر من 1.44 ألف شركة، وبريطانيا في المرتبة الثالثة بنحو 727 شركة. في ألمانيا أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية يصل عدد الشركات إلى 319 شركة فقط، لتأتي خلف دول مثل الهند واليابان وكندا.
على مستوى الشركات العملاقة. ففي قائمة أكبر 10 شركات تكنولوجية في العالم التي تتخطى القيمة السوقية لـ 9 شركات فيها مستوى تريليون دولار، فإنه لا توجد أي شركة أوروبية، حيث تستحوذ الولايات المتحدة على 8 شركات مقابل واحدة للصين وأخرى لتايوان.
المعاناة الأوروبية في القطاع التكنولوجي مقابل تفوق الولايات المتحدة والصين يمكن تفسيرها عبر مؤشر مهم وهو حجم الإنفاق على البحث والتطوير. فوفقًا لبيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) فقد وصل حجم إنفاق الولايات المتحدة على البحث والتطوير في عام 2023 إلى 784 مليار دولار، بينما وصل حجم إنفاق الصين إلى 723 مليار دولار. في المقابل بلغ حجم الإنفاق الكلي لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلال نفس العام 410 مليارات دولار. وقد جاءت ألمانيا في المرتبة الأولى بحجم إنفاق وصل إلى 132 مليار دولار.
وخلال قمة الذكاء الاصطناعي التي عقدت في باريس الشهر الحالي أعلنت المفوضية الأوروبية عن استثمار 200 مليار يورو في قطاع الذكاء الاصطناعي. حيث تهدف الحزم الاستثمارية إلى بناء القدرات الأوروبية في القطاع ودعم الشركات الناشئة والقطاع الخاص إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية للعمل في السوق الأوروبية.
الخطط الأوروبية لتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا ستواجه صعوبات عديدة، أهمها التنافس العالمي بين القوى الكبرى للاستحواذ على التقنيات المتقدمة وبالأخص في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية الأكثر تقدمًا. بالتالي فإن أوجه التعاون مع القارة الأوروبية تبدو ضعيفة في الوقت الحالي.
تحتاج التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي إلى بنية تحتية قوية مثل مراكز البيانات وشبكات الإنترنت السريعة لتحقيق التشغيل الكفء. ويبدو ذلك صعب التحقيق في الوقت الحالي في أوروبا. عامل آخر مهم يؤثر بالسلب في الخطط الأوروبية هو نقص الكفاءات البشرية المؤهلة لقيادة ثورة التكنولوجيا في القارة.
من العقبات الرئيسية التي تعوق تنفيذ الخطط المذكورة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه دول القارة. حيث تعاني أهم الاقتصادات انكماشا وتباطؤا في الطلب المحلي. كما أن الميزانيات المرهقة بفوائد الديون لن تكون قادرة على تحمل تكاليف إضافية لزيادة الإنفاق على مشاريع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
في الختام فإن أوروبا أمام مرحلة فارقة لإعادة التنافسية لاقتصادها وأخذ دورها كفاعل رئيسي في القطاع التكنولوجي ومنافسة القوى الكبرى.