«غارة» أمريكية على أسواق العملات

نفذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" يوم الخميس الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، غارة على أسواق العملات العالمية، هبطت بأسعار الصرف للدولار أمام بقية العملات، وصعدت باليوان والجنيه الاسترليني واليورو وأسعار الذهب والنفط التي سجلت أرقاما قياسية، حيث بلغت أونصة الذهب 1400 دولار فيما لامس النفط 91 دولارا.
الاقتصاديون اعتبروها أول غارة أو قل جولة مباشرة وصريحة لما بات يعرف بـ "حرب العملات" أو سياسات إضعاف العملات، التي باتت الوسيلة الوحيدة أمام بعض الاقتصادات كما تدعي وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي، لتحقيق النمو ومعالجة الاختلالات في الميزان التجاري العالمي بين دول الفائض ودول العجز، خصوصا في ظل إصرار الصين على تجاهل مصالح الآخرين.
الواقع أن ضخ "المركزي الأمريكي" 600 مليار دولار كخطوة أولى في برنامج "التيسير الكمي" الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية لمواجهة ندرة فرص الوظائف الناتج عن بطء نمو الصادرات الأمريكية، وما نتج عنه من هبوط في قيمة الدولار، هو خطوة مربكة للغاية، أحدثت ردود فعل كبيرة في الأسواق، وستحدث ردود فعل أخرى على الاقتصاد العالمي.
المشكلة أن تلك الغارات كما أسميها أو ذلك البرنامج كما يسميه "المركزي الأمريكي"، وبحكم أنه سيبقي العملة الأمريكية منخفضة القيمة على المدى المتوسط، فرضت علينا نحن في السعودية التعاطي معها شئنا أم أبينا، بل نكاد أن نكون بحكم ارتباط الريال بالدولار ملزمين بوضع برنامج مضاد أو خطة محددة لامتصاص الآثار الجانبية المتوقعة على الاقتصاد السعودي جراء تلك السياسة، التي يتصدرها ارتفاع الأسعار (التضخم). ليس المطلوب إجراءات تعسفية من قبيل فك الارتباط كما ينادي البعض، بل مواجهة المشكلة بجدارة، عبر إعادة إحياء بعض الأدوات المالية والنقدية، وتكييفها مع الظروف "الاستثنائية" الراهنة، خصوصا أن "المركزي الأمريكي" منحنا فرصة ملائمة للمواجهة بإعلانه أن "حفلة التيسير" التي تمت في الرابع من نوفمبر مستمرة على مراحل، وأنا هنا أتحدث عن أسعار الفائدة وبرامج الإنفاق، وخطط معالجة الإسكان، وتقويم النفط.
أخيرا.. يبدو أن عام 2011 سيكون عاما صراع العملات كما توقعت في مقال سابق، وهي لغة استخدمها البريطانيون في الثلاثينيات واستطاعوا من خلالها تحقيق النمو، إلا أن الاقتصاديين يعتقدون أن الزمن لم يعد ملائما لإعادة استخدام تلك الأسلحة القديمة، ويطالبون بالتركيز أكبر على إعادة التوزان للحساب التجاري العالمي، من خلال حث الدول ذات الفوائض (الصين، وألمانيا، وروسيا، والبرازيل)، على خفض فوائضها برفع الاستهلاك المحلي، وحث الدول ذات العجوزات، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بخفض العجز من خلال تقليل الاستهلاك ورفع الإنتاج.
تلك المعادلة في تصوري هي الطريق الوحيد للخلاص من معضلة عدم اتزان ميزان التجارة العالمي، وهي الفكرة التي على قادة العشرين التركيز عليها في مناقشتهم بعد أيام في سيئول الكورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي