مالية عامة مميزة في السعودية

تؤكد أرقام ميزانية 2011، فضلا عن بعض النتائج التي تحققت في 2010 بالنسبة لنمو الناتج المحلي الإجمالي من جهة وهبوط مستوى الدين العام من جهة أخرى، سلامة الأوضاع الاقتصادية في السعودية.

أكبر ميزانية
حقيقة القول، تعتبر ميزانية العام 2011 الأكبر في تاريخ السعودية؛ ما يعني وجود رغبة لدى السلطات لمواجهة التحديات المرتبطة بمسألة الأزمة المالية. تبلغ قيمة النفقات العامة 154 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 144 مليار دولار؛ ما يعني وجود عجز متوقع بمستوى عشرة مليارات دولار. تزيد الأرقام المقدرة للمصروفات والإيرادات بواقع 7 في المائة و15 في المائة على التوالي عن تلك المقدرة أصلا للسنة المالية 2010؛ الأمر الذي يؤكد وجود نية لدى الجهات الرسمية لتحقيق أفضل نمو اقتصادي ممكن.
ولحسن الحظ، لا يشكل العجز المتوقع في حال حصوله أصلا، أمرا مخيفا؛ كونه يمثل نحو 2.3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. وبشكل أدق، لا يتناقض هذا المستوى من العجز المتوقع مع التزامات السعودية بشروط الاتحاد النقدي الخليجي. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل تقييد عجز الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. وكانت أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية وقطر والكويت والبحرين قد بدأت مطلع العام 2010 عملية تطبيق مشروع الاتحاد النقدي الخليجي.

نتائج السنة المالية 2010
وفي كل الأحوال، يتوقع أن يتحول العجز المتوقع للسنة المالية 2011 إلى فائض فعلي تماما كما هو الحال مع السنة المالية 2010 بسبب التطورات المرتبطة بالقطاع النفطي. وكانت الجهات الرسمية قد أعدت ميزانية 2010 بمصروفات وإيرادات قدرها 144 مليار دولار و125 مليار دولار على التوالي؛ ما يعني وجود عجز متوقع قدره 19 مليار دولار.
لكن تشير أحدث الإحصاءات المتوافرة إلى توقع فائض قدره 29 مليار دولار، على الرغم من زيادة النفقات بنسبة 16 في المائة. وقد حدث هذا التطور على خلفية ارتفاع أسعار النفط عن متوسط السعر الذي تم اتخاذه عند إعداد الميزانية العامة. حقيقة القول، يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في الاقتصاد السعودي عن طريقة مساهمته لأكثر من ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة، فضلا والنسبة نفسها فيما يخص الصادرات. وعلى هذا الأساس، يعتبر ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط أمرا حيويا بالنسبة لنتائج الاقتصاد السعودي.

نمو الناتج المحلي الإجمالي
كما تتميز السلطات المالية السعودية بممارسة الشفافية فيما يخص الكشف عن أرقام الناتج المحلي الإجمالي. وخير دليل على ذلك الإعلان عن هبوط حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 22 في المائة في العام 2009. وقد حدث هذا التراجع على خلفية تذبذب أسعار النفط، بل تراجعها النسبي من 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) من عام 2008 إلى نحو 35 دولارا للبرميل في الأسابيع الأولى لعام 2009. وقد حدث هذا التذبذب غير الاعتيادي كردة فعل على الأزمة المالية العالمية وما خلّفتها من تصدع للثقة في شتى الاقتصاديات الدولية.
في المقابل، كشفت السلطات السعودية عن ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 16.6 في المائة إلى 427 مليار دولار في 2010. وقد حدث هذا الأداء الإيجابي بشكل أساسي نتيجة نمو القطاع النفطي بنسبة 25 في المائة في غضون سنة واحدة. تعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم بلا منازع.

تراجع الدين العام
إضافة إلى كل ذلك، خيرا فعلت السلطات السعودية بتوظيف الفوائض النفطية بتقليص مستوى الدين العام، حيث تراجع من 60 مليار دولار في عام 2009 إلى 45.5 مليار دولار في 2010. وعلى هذا الأساس، تراجع الدين العام من 16 في المائة إلى 10.6 في المائة من حجم الناتج المحلي بالأسعار الجارية في 2009 و2010 على التوالي. وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن تعزيز مستوى تطبيق السعودية لأحد متطلبات مشروع الاتحاد النقدي والقاضي بتقييد الدين العام للحكومة عند حد 60 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي الاسمي. لا شك تحد المديونية العامة من حرية خيارات الأجيال القادمة ما يُعد نوعا من التعدي على مصالحها، وعليه لا بد من الإشادة بالتوجه الرسمي السعودي.
ختاما، تشكل النفقات العامة المُقدرة للسنة المالية 2011 نحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، الأمر الذي يعد مرتفعا نسبيا نظرا لقدرة القطاع العام على مزاحمة مستثمري القطاع الخاص. لكننا نعتقد أن دِقة المرحلة تتطلب تعزيز النفقات في الاقتصاد العالمي، وبالتالي القضاء على مخلفات الأزمة المالية العالمية. ما يهم في هذه الفترة بالذات هو ضمان دخول أموال للاقتصاد المحلي، وبالتالي المساهمة في تحقيق أفضل نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي في ظل غياب شبح التضخم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي