ميزانية عُمان.. زيادة النفقات للتكيف مع تداعيات الأزمة

خيرا فعلت السلطات العمانية بزيادة نفقات السنة المالية 2011 بأكثر من 9 في المائة، الأمر الذي من شأنه تسريع وتيرة التكيف والقضاء على تداعيات الأزمة المالية العالمية. صحيح تقل نسبة النمو هذه عن تلك المقدرة لعام 2010 وقدرها 12 في المائة، لكنها مفيدة لأسباب تشمل تهيئة الأرضية لاتخاذ مستثمري القطاع الخاص خطوات مماثلة، والذين يتطلعون للحكومة باتخاذ زمام المبادرة.
في التفاصيل، تزيد قيمة المصروفات العامة المقدرة لعام 2011 على 21.1 مليار دولار، أي الأكبر في تاريخ البلاد. تعتبر مصروفات الدولة حيوية؛ كونها تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يكشف الأهمية النسبية الكبيرة لمصروفات الدولة في الاقتصاد العماني.

تعزيز الإيرادات
قدرت الحكومة الإيرادات بنحو 18.9 مليار دولار للسنة المالية 2011، ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 14 في المائة عن الرقم المقدر للسنة المالية 2009. وعلى هذا الأساس، تم الاحتفاظ بنسبة النمو المسجلة للسنة المالية 2010 الأمر الذي يكشف استمرارية السياسات المالية، وبالتالي استقرارها وعدم حدوث مفاجآت.
وتعود أسباب ارتفاع الدخل المتوقع جزئيا إلى تنامي الإنتاج النفطي بنسبة 3 في المائة إلى 896 ألف برميل يوميا. حقيقة القول، يعد هذا التطور أمرا حيويا؛ لأنه يأتي في سياق تعزيز مستوى الإنتاج النفطي، الذي بلغ 760 ألف يوميا في 2008 ثم ارتفع إلى 810 آلاف يوميا في 2009 ونحو 850 ألف برميل.
وكان تحالف بقيادة ''أوكسيدنتال''، الذي يضم شركاء آخرين بينها ''مبادلة'' الإماراتية قد فاز في 2005 بعقد لتعزيز إنتاج حقل مخزينة من عشرة آلاف برميل يوميا إلى 150 ألف برميل يوميا. يعكس الاستمرار في زيادة الإنتاج النفطي دليلا ماديا على إعطاء الجهود المبذولة ثمارها بالذهب الأسود.
المعروف أن عمان ليست عضوا في منظمة ''أوبك''، ما يعني أنها حرة في تغيير مستويات الإنتاج تماشيا مع مصالحها الاقتصادية، لكن المشهور أيضا تبني عمان سياسات ''أوبك'' فيما يخص أمور ضبط الإنتاج النفطي، وبالتالي الأسعار.

أهمية القطاع النفطي
ويعود السبب الآخر لزيادة الإيرادات لتبني متوسط سعر للنفط قدره 58 دولارا للبرميل في 2010 مقابل 50 دولارا للبرميل في 2010، فضلا عن 45 دولارا لكل من 2009 و2008. وفي كل الأحوال، لا يزال الرقم 55 دولارا للبرميل متحفظا مقارنة بمتوسط سعر النفط في البحرين وقدره 80 دولارا للبرميل للسنتين الماليتين 12-2011.
كما هو الحال مع بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، يعتمد الاقتصاد العماني بشكل نوعي، بل مبالغ فيه على القطاع النفطي لتمويل الميزانية العامة. وحسب الخطة المعدة، يتوقع أن تشكل مساهمة النفط 63 في المائة والغاز 13 في المائة، أي 76 في المائة من مجموع دخل الخزانة العامة، وهي النسب نفسها المعتمدة في الميزانية السابقة. لا شك تعتبر هذه الإحصاءات أنباء غير سارة بالضرورة؛ لأنها تعني بقاء الاقتصاد العماني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط.

عجز في حدود السيطرة
من جهة أخرى، لا يزال العجز المتوقع وقدره 2.2 مليار دولار في حدود السيطرة؛ نظرا لأنه يشكل أقل من 12 في المائة من حجم الإيرادات المقدرة، فضلا عن 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما ليس من المستبعد عدم حصول عجز فعلي كما هو الحال مع السنة المالية 2009 لأسباب لها علاقة بفرضية ارتفاع الإنتاج النفطي ومتوسط سعر النفط أو الاثنين معا. وعلى هذا الأساس، يتوقع أن تعلن الجهات الرسمية عدم حدوث تسجيل عجز فعلي بعد نشر الحسابات الختامية لعام 2009.
وفي كل الأحوال، يمكن معالجة العجز عن طريق السحب من الاحتياطي العام، الذي تعزز في السنوات القليلة الماضية خلال فترة ارتفاع أسعار النفط أو الاستفادة من برنامج ارتفاع الإنتاج النفطي، فضلا عن فرضية حصول نمو فعلي لأسعار النفط في الأسواق العالمية.

مواجهة التحديات
بدورنا نرى صواب توجه السلطات لتعزيز النفقات العامة بقصد التكيف مع التداعيات المستمرة للأزمة المالية العالمية. يتمثل التحدي الرئيس أثناء فترة الميزانية بضمان تسجيل نمو معقول للناتج المحلي الإجمالي وإيجاد فرص عمل للمواطنين، الأمر الذي يتطلب قيام الحكومة بصرف أموال داخل الاقتصاد الوطني، بالتالي الاستفادة من موضوع مضاعف الدخل. والإشارة هنا إلى المبدأ الاقتصادي، ومعناه أن أي مبلغ يصرف داخل الاقتصاد الوطني يتضاعف مرة أو أكثر عبر عملية تدويل الأموال.
حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تراوح نسبة البطالة في عمان في حدود 12 في المائة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف، أغلبيتهم من الإناث. وترتفع هذه النسبة في المناطق البعيدة عن المدن. يعد المجتمع العماني يافعا، حيث يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة 40 في المائة من مجموع المواطنين، وعليه يتوقع دخول أعداد كبيرة منهم سوق العمل بحثا عن وظائف تتناسب ورغباتهم من حيث النوعية والأجر، ما يعني أن توقعاتهم مرتفعة نسبيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي