بعد اجتماع الغرف التجارية .. القضاء على الفساد ليس مجرد ميثاق!

في اجتماع رؤساء الغرف التجارية الصناعية الأسبوع الماضي في القصيم تم الاتفاق على صياغة ميثاق شرف أخلاقي لمحاربة الفساد بين منسوبي الغرف التجارية, وهي أول مرة ــ حسب علمي ــ يصرح فيها مجتمع الأعمال من قبل أكبر جهة ممثلة له بأن القطاع الخاص طرف أصيل في منظومة الفساد ''المحلي'', وهي خطوة إيجابية تحسب للشيخ صالح كامل رئيس مجلس الغرف السعودي, ومواجهة المشكلة هي أولى خطوات الحل.
لا توجد رشوة ومرتش إلا وهناك راش, ولا يوجد وسيط وواسطة إلا وهناك متوسط له .. وهكذا في كثير من حالات الفساد الإداري فهناك طرف مستفيد وفاعل وهناك طرف آخر حصل على الخدمة واستفاد منها, وإذا لم يوجد الراشي فلن تكون هناك رشوة, وبالتالي تجد الفاعل الحقيقي في كثير من الحالات هو طالب الخدمة وليس مقدمها, وبالتالي فإن مقاومة القطاع الخاص للفساد (المقنن في كثير من الأحوال عن طريق مكاتب الخدمات والمعقبين والوسطاء) عملية صعبة وحساسة تحكمها النية والأخلاق أولاً وأخيراً، وهذا تحد أشك في قدرة القطاع الخاص بعمومه على تجاوزه على حساب مصالحه.
في الاجتماع نفسه تم الاتفاق على مطالبة المقام السامي بضرورة التعجيل بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد, التي تم إقرار إنشائها كآلية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد, وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في بداية عام ٢٠٠٧, التي لم نسمع بعد ذلك عن أي منهما (أي الاستراتيجية والهيئة)!
ووضعت الاستراتيجية قائمة لأبرز الوسائل لحماية النزاهة ومكافحة الفساد يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. تشخيص مشكلة الفساد في المملكة.
2. قيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها، وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك.
3. إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة.
4. مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
5. توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي.
6. تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية.
7. تعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي.
ولا يخفى على القارئ الفطن (وغير الفطن) أن هناك من يقدم الفساد ليصبح قريناً لكثير من الأعمال الحكومية, ولو كانت نزيهة نقية, بل حتى لو كانت بريئة من الفساد براءة الذئب من دم يوسف ــ عليه السلام, فأصبح الفساد لصيقاً بأي إجراء حكومي, وأصبح الفساد قريناً لكثير من النجاحات, وأصبح الفساد تهمة لا يتورع عن إطلاقها أي أحد, حتى لو لم يكن يملك أي مؤشر, فضلاً عن ملكية أي دليل على صحة هذا الادعاء.
بل إنني صرت أواجه الكثير من المواقف التي يتوقع فيها ''الآخرون'' أن الأعمال لا يمكن أن تتم إلا بوجود معرفة أو واسطة (وفي كثير من الأحوال فساد), وينطبق ذلك على البلديات والوزارات, بل حتى الجهات القضائية !!
من أين جاء هذا الظن السيئ (الذي قد يكون حقيقة في بعض الأحيان)؟ أعتقد أن أهم الأسباب هو عدم وجود نتائج معلنة لحالات الفساد, وعدم التشهير بالمفسدين, فمثلاً لم نسمع عن إقالة أو معاقبة مسؤول حكومي نتيجة اقترافه عملاً إجرامياً ماليا أو إداريا, ومن جانب آخر فمن الأسباب تغلغل البيروقراطية الإدارية في الأجهزة الحكومية, التي تكون بيئةً مثاليةً لنمو وتوالد فيروسات الوساطة ووباء الرشوة.
وأبسط مثال لذلك قضية سيول جدة التي ارتبطت بالفساد, وكانت نتيجتها مأساوية على مستوى الخسائر البشرية والمادية, فضلاً عن السمعة السيئة للمملكة, وما زال الجمهور في انتظار إعلان نتائج التحقيقات! ودون شفافية وحسم حتى لو كان هذا الأمر مؤلماً فلن يمكننا أن نضع قواعد صارمة للنزاهة في الشارع السعودي.
حتى تاريخ اليوم مر ما يقارب خمس سنوات على إقرار الاستراتيجية ولم يتم إنشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد بعد! ماذا يعني ذلك؟ ما أولوية مكافحة الفساد والقضاء عليه؟ ما درجة الجدية في القضاء على الفساد؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي