إلى متى تهميش المنشآت الصغيرة؟
تعتبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الأسواق المتقدمة والناشئة واحداً من أهم مكونات الناتج الإجمالي للاقتصاد، وتلعب دوراً حيوياً في خريطة التصدير للاقتصاد. فعلى سبيل المثال وصلت مشاركة هذا النوع من المنشآت في أمريكا إلى نحو نصف الناتج المحلي بإنتاجها من غير القطاع الزراعي، وصدرت نحو 30 في المائة من إجمالي صادرات البضائع، أما في الهند فيقدر أن تكون المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي المسؤولة عن 40 في المائة من إجمالي الإنتاج التصنيعي، وما يوازي 33 في المائة من صادرات البلد. أما على مستوى التوظيف فالمنشآت الصغيرة والمتوسطة توظف في الاتحاد الأوروبي مثلاً نحو 65 مليون شخص. وهذه المقدمة الإحصائية ما هي إلا مؤشرات على أهمية دور هذا النوع من الكيانات الاقتصادية. وقد اختلف في تعريف هذه المنشآت وآلية تصنيفها، ففي أمريكا تعرف المؤسسات والشركات الموظفة لـ 100 شخص بالصغيرة، أما في الاتحاد الأوروبي فيطلق على المؤسسات الموظفة لـ 10 أشخاص بالجزئية Micro وتلك التي أقل من 50 موظفاً تعتبر منشآت صغيرة. وأياً كان الاختلاف النسبي في عدد الموظفين كمعيار للتصنيف، فكل هذه الاقتصادات وغيرها تضع في الحسبان أهمية دور هذه المؤسسات والشركات في الاقتصاد، وبالتالي تشجيعها وحفزها من خلال تفعيل سياسات وخطط تكفل إنجاح أعمالها.
أما في الاقتصاد المحلي، فلا شك أن هناك إيماناً برسالة هذه المنشآت، وقد شجعت الدولة ـــ وفقها الله ـــ من خلال برامج عديدة على تنمية هذا المصدر من الناتج الإجمالي، سواء كان في تأسيس المؤسسات الاقتراضية (صندوق التنمية الصناعية) أو غيرها من الجهود، مما جعل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة كيانات كبيرة تنافس على المستوى الدولي. ومع التطور في حجم الاقتصاد السعودي وتنامي أعداد المؤهلين الداخلين سوق العمل لم يواكب زخم الاهتمام بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة أهمية دورها في الاقتصاد هذا التطور، حتى وصل الحال في بعض القطاعات التي تعمل فيها تلك المنشآت إلى التهميش في الأهمية. فالجهود والتشجيع مستأثرة في الغالب لصالح اللاعبين الكبار. فلا توجد مثلاً مؤسسة اقتراضية خاصة بهم، ولا يتعدى كونها اجتهادات أو مبادرات تطلق من مصادر مختلفة. كما لا توجد مرجعية موحدة سواء كانت حكومية أو شبه حكومية، كالغرف التجارية وغيرها مختصة بهذه المنشآت، تأخذ بزمام قيادة هذا النوع من النشاط الاقتصادي. أضف إلى ذلك أن الإنفاق الحكومي غير المسبوق لم يلزم اللاعبين الكبار بإشراك هذه المنشآت بطريقة أو بأخرى، في حين أنها فرصة لتكبير دائرة الاستفادة الاقتصادية من هذه التنمية.
نعم هناك جهود واجتهادات إلا أنها في نهاية المطاف لا ترقى إلى تقدير أهمية المنشآت تلك ودورها الحيوي. إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا تحتاج فقط إلى التشجيع من خلال الإقراض أو تسهيل المهمة التنظيمية والعملية، بل تحتاج إلى جهة استشارية موحدة تساعد في آلية عملها على أسس تجارية حديثة تكفل استمراريتها، فالعشوائية في اختيار المشروع وكيفية إدارته هي أول أسباب احتمالية فشله. بقي أن يقال هنا إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي الأولى بالاهتمام، ويجب أن يلتفت إليها بكل جدية، خصوصاً أن 99 في المائة من المنشآت في العالم هي من هذه الفئة، وأن هذا النوع من الكيانات الاقتصادية مسؤول عن إنتاج ما يوازي 40 إلى 50 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي عالميا.