تجارة التجزئة .. مستودع الوظائف
بلغت البطالة في المملكة 10 في المائة حسب آخر إحصائية معلنة (وهي إحصائيات كثيرة بعضها متناقض مع الآخر ولكل فريق طريقة حسابه) ولكن.. وهذا هو المهم إن البطالة لا تنتج عن عدم التوظيف الحكومي فقط، بل هي نتيجة خلطة معقدة تتكون من فقر الوظائف الحكومية، وانعدام الفرص في القطاع الخاص، ومنافسة العمالة الوافدة للعمالة الوطنية. ولا يخلو تعقيد الخلطة من ضعف مخرجات التعليم العام والتعليم العالي، إضافة إلى ثقافة العمل السلبية لدى الكثير من الشباب السعودي.
محلياً مازلنا نعالج مشكلة البطالة بأساليب التجربة والخطأ والتي ثبت عقمها حتى الآن، وللأمانة لم نر أي حلول منطقية، أو خططاً مقنعة لتخفيض رقم البطالة الحالي.
ففي تحقيق نشر في الاقتصادية يوم السبت الماضي أبان أن هناك 600 ألف وظيفة يمكن إحلال العمالة الوطنية فيها في قطاع التجزئة فقط. ويعتبر قطاع التجزئة من أهم القطاعات التي من الممكن أن تستوعب العمالة السعودية بجميع فئاتها وتنوعها وتوزعها الجغرافي، إضافة إلى أهميته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في أي دولة.. السؤال هنا من المسؤول عن استمرار الأوضاع في قطاع التجزئة بهذا الشكل؟
وزارة العمل يفترض أن تقوم بمهامها لتخفيض رقم البطالة وزيادة الاستيعاب لسوق العمل، ولكن للأمانة فإن المسؤولية ليست على وزارة العمل وحدها فالجهات الحكومية الأخرى يجب أن تتحمل مسؤوليتها في هذا السياق وعلى رأس هذه الجهات وزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة للاستثمار، ووزارة الداخلية. وهذه الجهات تحديداً مع وزارة العمل بيدها أن تحدث تغييرات إيجابية في بيئة الاستثمار، وأن تفتح الباب على مصراعيه للمستثمرين المحليين والأجانب للتوسع في قطاعات صناعية وتجارية وخدمية من شأنها فتح الفرص للشباب السعودي سواء كان للعمل كموظفين في مشاريع محلية أو لبدء الشباب لأنشطتهم التجارية كأعمال خاصة بهم.
ربما من المهم تقييم دور كل من صندوق الموارد البشرية، وبنك التسليف، والصندوق الخيري الوطني، وصندوق المئوية، وبرنامج كفالة.. والتي أرى أنها وإن كانت تقوم بمجهود معين إلا إنها لم تحقق النتائج المرجوة منها على الرغم من الدعم اللا محدود الذي حصلت عليه.
إذا لم ننجح في كبح جماح البطالة بوضعها الحالي وهي في مهدها، فماذا في وسعنا أن نفعل مع تخرج مئات الآلاف سنوياً من الجامعات والمعاهد المهنية ومن لم يكملوا دراستهم؟! إذا لم ننجح في ايقاف مد البطالة ونحن في خضم هذا الدخل الهائل والفوائض المالية التي نحسد عليها، فماذا سنفعل في حال تحولت الدورة الاقتصادية وحدث مالم يكن في الحسبان انخفاضاً في الإنتاج أو نكوساً في أسعار البترول.
لقد قلت في مقال سابق ''إن المواطن البسيط الذي لا يزال يبحث عن لقمة العيش الشريفة، وعن سكن ملائم، وعن تعليم محترم، وعن علاج ممكن. هذا المواطن لا تهمه الأرقام في شيء ولا يعنيه الفائض، ولا تعتريه النشوة عند زيادة الإنفاق، لا يهتم المواطن بشيء من ذلك إذا لم ينعكس ـ ليس على رفاهيته التي لم يطلبها ـ وإنما على تحقيق حاجياته الأساسية التي يستحقها بحكم كونه مواطناً سعودياً''.