البطالة .. الإرادة موجودة للحل .. لكن التنفيذ معطل!

تعتبر البطالة سمة من سمات هذا العصر، وتعد بحق أحد أهم الأمراض العضال التي تعانيها المجتمعات في جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء، ففي السابق كانت البطالة تتفشى في الدول النامية بشكل حاد، ولكن بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي واجهت العالم اعتبارا من أواخر عام 2008 وما تبع ذلك من انكماش اقتصادي، انتشرت البطالة في الدول المتقدمة أيضاً ولامست الـ 10 في المائة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ودعني ـــ عزيزي القارئ ـــ أوضح مَن هو العاطل عن العمل، وما أنواع البطالة، وكيف نحل هذه المشكلة أو على أقل تقدير نحد منها في بلادنا، فالعاطل عن العمل، حسب اصطلاح منظمة العمل الدولية، هو كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد في بلده، فلا يجده.
والبطالة أنواع: البطالة الظاهرة تتمثل في وجود أعداد من العاطلين عن العمل من القوى العاملة في أي مجتمع بحيث لا يجدون أعمالاً يلتحقون بها، والبطالة المقنعة تتمثل في وجود أعداد من العاملين في منشأة تزيد على حاجتها، والبطالة التوافقية MATCH UNEMPLOYEMENT وأقصد بها أن مجموعة من المهندسين أو الفنيين أو أصحاب المهن لا يجدون عملا مع أن مؤهلاتهم تتوافق مع متطلبات سوق العمل في الدولة التي يعيشون فيها، أما البطالة غير التوافقية MISMATCH UNEMPLOYEMENT فتعني وجود أعداد من العاطلين عن العمل لكن مؤهلاتهم لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل في الدولة التي يعيشون فيها.
ولا شك أن البطالة، وكما أسلفت، داء العصر، وهو داء عضال يلحق الضرر بالمجتمعات التي يتفشى فيها من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية حتى السياسية، لذلك تعمل دول العالم جميعا جاهدة على مكافحة هذه المشكلة وحلها. ونحن في المملكة العربية السعودية، وكما ورد في الإحصائيات التي أعلنتها وزارة العمل، التي أوضحت أن البطالة تتجاوز9 في المائة بين الذكور وتتجاوز 20 في المائة بين الإناث، ولا شك أن الدولة ـــ أيّدها الله ـــ بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، والنائب الثاني والمسؤولين كافة تعمل جاهدة للقضاء على البطالة أو على أقل تقدير الحد منها بشكل كبير، وأنا أعتقد جازماً أن حل هذه المشكلة يتمثل في أن تقوم الوزارات والهيئات والمؤسسات التي تعنى بالشأن الاقتصادي وكذلك القطاع الخاص بمضاعفة الجهد والعمل بما يكفي لإحداث تنمية مستدامة شاملة في جميع مناطق بلادنا ومحافظاتها، تكون قادرة على استيعاب القوى العاملة الوطنية الموجودة حالياً، التي تعمل وزارة العمل ومؤسساتها المتخصصة مثل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وصندوق الموارد البشرية "هدف"، والكليات التقنية، على تدريبها والدفع بها إلى سوق العمل والقوى العاملة التي ستدخل سوق العمل في الأعوام القليلة القادمة الذين سيتخرجون من عشرات الجامعات الحكومية والخاصة، ومئات الكليات التقنية وعشرات الألوف من المبتعثين للخارج بموجب برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث.
وإنني أعتقد أن قطاع المقاولات مؤهل لاستيعاب جزء كبير من القوى العاملة الوطنية إذا تم تطويره وإنشاء البنية التحتية اللازمة له، حيث يعمل في هذا القطاع حسب إحصائيات وزارة العمل للعام المالي 1430/1431هـ، 2876572 عاملا، وهذه النسبة تمثل 41.72 في المائة من إجمالي القوى العاملة في القطاعات الاقتصادية كافة في المملكة، والابتعاد كذلك عن إسناد معظم الأعمال الإنشائية إلى المقاولين الاثنين، ما يؤدي إلى إضعاف عدد كبير من المقاولين المؤهلين وتضخم العمل لدى هذين المقاولين. وفي تقديري أن وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي يجب عليهما فتح القطاع البنكي لإنشاء مزيد من البنوك الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمتخصصة لزيادة الإقراض للقطاع الخاص بقصد توسيع النشاط الاقتصادي وإحداث مزيد من التوظيف، وكذلك الإسراع في استراتيجية الخصخصة التي أقرها المجلس الاقتصادي الأعلى في حزيران (يونيو) 2004 لعدد 20 قطاعا من القطاعات الاقتصادية في بلادنا، وإنشاء مناطق حرة تعمل بموجب الأنظمة العالمية لتسهم في زيادة النشاط الاقتصادي في بلادنا وتحدث مزيدا من التشغيل للأيدي العاملة، وعلينا أن نبتعد تماماً عن المسميات والأنظمة الخاصة التي لا تحقق أي مكاسب اقتصادية مثل مناطق إعادة التصدير ونظامها، وكذلك الحد من المركزية الشديدة في إدارة المنشآت الاقتصادية في المملكة بلد كبير جداً، وتختلف ظروف كل منطقة فيه عن المنطقة الأخرى، فعلى سبيل المثال، لا يمكن مقارنة المنافسة التي يجدها مطار الملك فهد في الدمام من المطارات الخليجية مع المنافسة المعدومة لمطار الملك خالد أو مطار الملك عبد العزيز، كذلك الحال بالنسبة للموانئ السعودية الواقعة على الخليج والتي تجد منافسة قوية من الموانئ الخليجية الأخرى، لذلك ينبغي مراعاة ذلك وإعطاء رؤساء هذه المنشآت قدرا من المرونة، ومن الحرية للتعامل مع ما يجدونه من منافسة، كما يجب تفعيل الاستراتيجية الصناعية لتطوير الصناعة الوطنية التي أقرها مجلس الوزراء الموقر العام الماضي مع التركيز على إنشاء الصناعات الثقيلة واستكمال شبكة الخطوط الحديدية السعودية، التي شهدت تطوراً كبيراً جداً، وذلك بإنشاء الخط الحديدي الذي يربط جدة بالرياض (الجسر البري) لإحداث مزيد من القيمة المضافة لاقتصادنا الوطني ومزيد من الوظائف للشباب السعودي الطموح، وإنني وبعد صدور قرار إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة أرى الإسراع في إنشاء المفاعلات النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية، فإن كانت الظروف الآن مواتية، فإننا لا نعلم ما ستكون عليه في السنوات القادمة، فالعلاقات الدولية رقم متغير، وليس رقما ثابتا، كما أنني أرجو من وزير العمل، وجميع المسؤولين في الوزارة الإسراع في تطبيق قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 793/1 وتاريخ 22/05/1426هـ الخاص بتشغيل المرأة في محال بيع مستلزمات النساء والأطفال، وكذلك الإسراع في وضع الآليات اللازمة لمنح تأشيرات العمل المؤقت التي نقلت من وزارة الخارجية اعتبارا من 01/07/1431هـ إلى وزارة العمل في أقرب وقت، وكذا رفع الإيقاف الخاص بتأشيرات سجلات التأسيس، وأرجو ألا تكون سياسة وزير العمل الجديد في حل مشكلة البطالة هي إحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة، فإنه في بعض مجالات العمل مهن لا يقبلها السعوديون مثل نظافة المدن، وأعمال الصيانة والتشغيل، وبعض الأشغال الشاقة مثل العمل في الكسارات وخلافه فقط، فإمكانات الإحلال محدودة، وطالبو العمل من القوى العاملة الوطنية أعدادهم متزايدة، وإنما عليه أن يعمل من خلال المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الوزراء الموقر مع الوزارات المعنية التي تختص بالشأن الاقتصادي على إحداث تنمية مستدامة تكون شاملة وعامة في بلادنا العزيزة، ولنا في التجربة الماليزية الحديثة والتجربة التركية الأكثر حداثة مثلا في ذلك، حيث استطاع الاقتصاد التركي، على سبيل المثال، إحداث أكثر من مليون و800 وظيفة في عام 2010 بسبب معدل النمو العالي الذي حققه هذا الاقتصاد، كما يجب على رجال الأعمال أن يتحملوا مسؤوليتهم كاملة، وأن يضعوا أيديهم في يد وزير العمل ومساعدته على التغلب على البطالة من خلال توطين الوظائف في منشآتهم، كلما أمكن ذلك وبالسرعة المطلوبة، فهذا واجب وطني عليهم تحمله بكل صدق وإخلاص، كما أرجو من معالي وزير العمل أن يعمل يداً بيد مع قطاع الأعمال، وألا يصدر أي قرارات تخص قطاع الأعمال قبل أن يتشاور وينسق مع رجال الأعمال لضمان تعاونهم، وبالتالي ضمان قدر من نجاح هذه القرارات. وفق الله الجميع لخدمة وطننا الغالي في ظل قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، والنائب الثاني وحكومتنا الرشيدة.

رئيس مجموعة شركات اليمامة
نائب رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي