دول الخليج في تقرير الحرية الاقتصادية 2011
واصل تقرير الحرية الاقتصادية الصادر من قبل مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ''وول ستريت جورنال'' الأمريكيتين، منح درجات غير منصفة لأغلبية دول مجلس التعاون الخليجي. ففيما يخص تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2011، الذي صدر حديثا، حصلت البحرين على المرتبة العاشرة دوليا من بين 183 اقتصادا مشمولا في التقرير.
في المقابل، تم تصنيف قطر وعمان والإمارات والسعودية والكويت في المراتب الـ 39 والـ 42 والـ 43 والـ 46 والـ 59 على التوالي. ويبدو أن الأمر يتعلق بعدم تنفيذ دراسات خاصة للتقرير، وعليه اعتماده على معلومات قديمة. ولا يبدو أن القائمين قد غيروا من قناعتهم، على الرغم من اندلاع الأزمة المالية العالمية، التي بدورها نالت من بعض المبائ، وخصوصا الحد من دور القطاع العام في الشأن الاقتصادي.
مبادئ محافظة
تؤمن كل من مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ''وول ستريت جورنال''، ذات التوجهات المحافظة، بضرورة تحييد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. من جهة أخرى، يقتضي الصواب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في الاقتصاديات المحلية. ومرد ذلك اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية؛ ما يعني ضرورة منح الزبائن قيمة مقابل أموالهم، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف.
بدورنا، نتفق من حيث المبدأ مع تحييد دور القطاع العام في الاقتصاد؛ لأنه غالبا يكون على حساب القطاع الخاص. من جملة الأمور، من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية، الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى، ولو بشكل نسبي. كما في مقدور الحكومات الحصول على مزايا مثل تأخير عملية دفع الفاتورة وربما الإصرار على الحصول على خصومات لأسباب مختلفة، منها قوتها الشرائية.
بيد أنه كشفت الأزمة المالية العالمية عن أهمية دور القطاع العام، خصوصا وقت الأزمات لإعادة الروح للاقتصاديات المحلية. ويلاحظ في هذا الصدد نصائح مجموعة العشرين ومنظمات أخرى مثل صندوق النقد الدولي بلعب دور القيادة لإحياء الفرص الاقتصادية عبر تعزيز النفقات العامة.
عشرة متغيرات
يعتمد التقرير على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية، وهي: 1) تأسيس الأعمال. 2) التجارة الدولية. 3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي. 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة. 5) التدخل الحكومي في الاقتصاد. 6) الاستثمارات الأجنبية. 7) النظام المصرفي والتمويل. 8) حقوق الملكية. 9) الفساد المالي والإداري. 10) توظيف وتسريح العمال. تحصل الاقتصادات المشمولة في التقرير على عشر نقاط لقاء كل متغير، وبالتالي 100 درجة كحد أقصى.
لكن - كما أسلفنا - ربما أصبحت بعض المتغيرات غير واقعية في أعقاب الكشف عن الأزمة المالية العالمية، خصوصا السياسة المالية من قبيل مستويات السيولة، حيث ظهور الحاجة إلى تعزيز وليس تقليص دور القطاع العام في تنشيط الواقع التجاري. من جهة أخرى، يلاحظ تنامي الدعوات الرامية إلى وضع ضوابط على النظام المصرفي؛ كونه المتسبب في ظهور الأزمة المالية العالمية عبر الاندفاع نحو تقديم تسهيلات بشروط ميسرة نسبيا.
وبشكل أكثر تحديدا، تعود جذور الأزمة المالية إلى قيام مؤسسات وبنوك استثمارية أمريكية بتقديم قروض لأفراد لا يتمتعون بملاءة مالية حسنة، لكن لديهم الاستعداد لدفع نسب فوائد عالية وتحمل رسوم إدارية مكلفة. في المقابل، قدم الزبائن مساكنهم على شكل رهون عقارية مقابل القروض الممنوحة. بدورها قامت المؤسسات المالية المقدمة للقروض بتوريق، أي إصدار سندات مقابل القروض العقارية وبيع هذه المشتقات المالية التي تعود إلى منتج القرض للمستثمرين المحليين والدوليين؛ لغرض مضاعفة العائد وربطها بإيرادات القروض العقارية. كما قامت بعض الجهات المالكة لهذه السندات برهنها لدى جهات أخرى من أجل الحصول على تسهيلات مصرفية، ومن هنا عرفت الأزمة بأزمة الرهن العقاري.
سلبيات مختلفة
عودة إلى موضوع المقال، من جملة نواقص تقرير الحرية الاقتصادية، اعتماده بشكل عام على مصادر ثانوية بدلا من تنفيذ دراسات ميدانية خاصة. وعليه، يفتقر التقرير إلى منهجية واضحة بسبب اعتماده على تقارير مختلفة ومتباينة تم تنفيذها لأمور أخرى، الأمر الذي يشكل معضلة بالنسبة لانسجام المعلومات.
كما هناك مشكلة أخرى تتمثل في تبني مؤسسة هيريتاج فاونديشن أفكار اليمين الأمريكي فيما يخص وجهة النظر لدول العالم. يلاحظ على سبيل المثال، استمرار بقاء كوريا الشمالية في قاع المؤشر ومنحها نقطة واحدة على المؤشر المكون من 100 نقطة. كما حلت زيمبابوي وكوبا وفنزويلا وإيران في المراتب الأخيرة بسبب عدم الرضا اليمين الأمريكي من توجهاها السياسية.
مهما يكن من أمر، المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من تقرير الحرية الاقتصادية فيما يخص تحسين البيئة التجارية، خصوصا إفساح المجال أمام استثمارات القطاع الخاص، وبالتالي تعزيز مستويات الحرية الاقتصادية، بل التنافسية الاقتصادية. باختصار، بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي تحسين تصنيفها العالمي عبر فتح المزيد من القطاعات الاقتصادية كما هو الحال مع الاتصالات أمام المنافسة الدولية.