ماذا نتوقع بعد 98.13؟
أغلق سعر البترول في وقت كتابة هذا المقال على 98.13 دولار للبرميل وفقاً لـ ''بلومبرج''، وهو أعلى سعر تحقق لبرميل برنت منذ نحو 28 شهراً. وأعلنت ''أوبك'' أنها تراقب ولا تنوي التدخل لإيقاف جماح الارتفاع السعري للبترول ما لم يتجاوز السعر ١٠٠ دولار، علماً أن هناك توقعات محتملة بوصول السعر إلى ١٢٠ دولارا للبرميل, وتوقعات أقل احتمالاً بوصول السعر إلى ١٥٠ دولارا، وتوقعات (شاطحة) باحتمالية ضعيفة لوصول السعر إلى سقف ٢٠٠ دولار.
هل يعني ذلك لنا شيئا كسعوديين؟ الإجابة طبعاًً نعم وألف نعم, فنحن جميعاً ندعو له بطول العمر ''أي البترول''، لكن ماذا يعني ذلك لنا كمواطنين؟ ببساطة استمرار هذا السعر لبرميل البترول يعني أن دخل الميزانية السعودية أو ما يعرف بالإيرادات لهذا العام ''2011'' سيبلغ 1.262 مليار ريال. تم احتساب هذا الدخل على أساس إنتاج يومي يبلغ ثمانية ملايين برميل، بسعر 98 دولارا للبرميل، على افتراض أن الدخل من الأنشطة الأخرى يبلغ 15 في المائة من الدخل السنوي.
حسناً .. ما زلنا في محور الإجابة عن السؤال: ماذا يعني ذلك لنا؟ إذا أخذنا في الاعتبار أن الموازنة الرسمية قدرت الإيرادات لعام 2011 بمبلغ 540 مليارا, سنفاجأ في نهاية العام بمفاجأة سارة ــ بإذن الله ــ بأن الدخل المحقق يزيد على المتوقع بمبلغ يتجاوز 700 مليار ريال.
يرى بعض المراقبين أن الارتفاع في الأسعار ناشئ عن زيادة الطلب المتعلق بموسم الشتاء, لكن في جميع الأحوال لا يتوقع أن ينخفض السعر أيضاً عن 80 ريالاً بعد موسم الشتاء, وعند هذا السعر أيضاً يتوقع أن نحقق فائضاً يقدر بـ 490 مليار ريال.
الحمد لله .. لكن مع الحمد والتوكل نحتاج إلى العمل الجاد لتفعيل هذه الفوائض, ما القطاعات التي يجب تطويرها؟ في رأيي أن الجهود الرئيسة يجب أن تركز على ما يلي:
أولاً: بالطبع سيكون القطاع النفطي المباشر أو غير المباشر (القطاعات البتروكيماوية) من أول القطاعات التي يجب تحفيزها لاستيعاب هذه الفوائض, فكما نتفوق على العالم أجمع بسبب هبة الله لهذه الأرض المباركة، يجب أن نكون الأكبر، والأقوى، والأول، والأكثر تنافسية في الصناعات والخدمات المتعلقة بالنفط. ولن يتم ذلك إلا بالاستثمار في الشركات العالمية الذكية التي تملك التقنية والمعرفة المتعلقة بهذا النشاط.
ثانياً: قطاع التحلية, وهو القطاع الثاني الأكثر أهمية ليس فقط للجدوى الاقتصادية منه, لكن بسبب أن السعودية واحدة من أكثر دول العالم استهلاكاً لمنتجات هذا القطاع, وفي الميزانية الحالية بلغت النفقات المقدرة للتحلية فقط 16 مليار ريال, يضاف إلى ذلك عامل توفير الأمن المائي, الذي يعتبر تهديداً رئيساً لمستقبلنا كسعوديين، وبالتالي فإن الحاجة ماسة إلى الاستثمار في الشركات العالمية التي تملك التقنية والصناعات المتعلقة بالتحلية.
ثالثاً: قطاع الموارد البشرية, وهو القطاع الأهم من حيث صناعة الإنسان الذي يمثل محور الحضارة الإنسانية لأي دولة متحضرة, ومن دون تنمية الإنسان لن تقوم قائمة لحضارة سعودية. ولا أقصد هنا المدارس والجامعات فقط, لكن أعني نوعية التعليم الذي تقوم عليه قائمة النهضة الإنسانية, وأخص بذلك التعليم الأساسي, خاصة الصفوف الأولى, التي محورها المعلم وليس المبنى والأثاث المدرسي. وأذكّر القارئ هنا بأن فنلندا, وهي الدولة الأكثر تميزاً في التعليم الحاصلة على المركز الأول عالمياً, يعتبر البروجكتور هو التقنية الأعلى استخداماً لديهم, حيث تعتمد العملية التعليمية بالدرجة الأولى على المعلم. ويتم تعيين المعلمين الأبرز والأكثر ألمعية لتعليم الصفوف الأولى. ويعتبر التعليم في فنلندا المهنة الأكثر تشريفاً واحتراما, ويعتبر المعلم فيها صاحب الكعب الأعلى في المجتمع.
رابعاً: قطاع التشغيل والصيانة, وهذا القطاع سيكون أحد أكبر التحديات المستقبلية للمملكة, فالمشاريع الصحية والتعليمية والبنية الأساسية التي تقوم بها الحكومة مشكورة في هذه الطفرة, ستتبعها ضريبة التنفيذ حيث ستزيد مخصصات التكاليف التشغيلية مستقبلاً سواء على مستوى الموارد البشرية أو التكاليف التشغيلية الأخرى, لذلك ينبغي العمل بجدية للبحث والتنقيب عن أفضل السبل للاستفادة القصوى من الموارد، وتطبيق أفضل الفعاليات لتخفيض النفقات التشغيلية المتوقعة مستقبلاً.
ومع الحرص على الصرف بسخاء على رفاهية المواطن وتعويض السنوات العجاف التي عاشتها المملكة في الماضي، ولمواجهة غلاء المعيشة الحاضر وتنفيذ المشاريع والتطوير لتحسين واقع المواطن, يجب الاهتمام بالتوفير للأجيال القادمة ومواطني المستقبل من فوائض سنوات الطفرة الحالية التي قد لا تتكرر تبعاً للسنن الكونية التي تؤكد هذه الحقيقة, فدوام الحال من المحال.
أخيراً .. أذكر هنا بما سبق وقلته من قبل, بأن المواطن البسيط لا يزال يبحث عن لقمة عيش شريفة، وعن وظيفة تكفيه، وعن سكن ملائم، وعن تعليم محترم، وعن علاج ممكن. هذا المواطن لا تهمه الأرقام في شيء، ولا يعنيه الفائض، ولا تعتريه النشوة عند زيادة الإنفاق. لا يهتم المواطن بشيء من ذلك إذا لم ينعكس ليس على رفاهيته التي لم يطلبها، وإنما على تحقيق حاجياته الأساسية التي يستحقها بحكم كونه مواطناً سعودياً.