ميزانية ضخمة جديدة في الكويت
حسنا فعلت الجهات الرسمية بتعزيز إيرادات الخزانة العامة بواقع 38 في المائة والنفقات بنحو 10 في المائة للسنة المالية 12/2011. من شأن هذا التطور الإيجابي في هذه الفترة الحساسة مساعدة السلطات الاقتصاد الوطني على مواصلة التكيف مع التداعيات السلبية المستمرة للأزمة المالية العالمية ، التي كشف النقاب عنها في النصف الثاني من عام 2008.
السنة المالية
الجدير ذكره، تبدأ السنة المالية في الكويت في نيسان (أبريل) وتنتهي في آذار (مارس). بدورنا نرى صواب هذا التوجه لأنه يمنح أعضاء المجلس التشريعي إفساح المجال لمناقشة تفاصيل الميزانية العامة قبل إقرارها. مؤكدا، تلعب الميزانية العامة دورا محوريا كونها تشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للكويت الأمر الذي يتطلب الوقوف على تفاصيلها بشكل كامل. حقيقة القول، عززت الميزانية الجديدة من الأهمية النسبية للمالية العامة في الاقتصاد الكويتي.
كما من شأن تأخر السنة المالية عن بدء العام الجديد توفير الفرصة لمعرفة اتجاهات الأسواق وخصوصا بالنسبة لسعر النفط. يسهم القطاع النفطي بنحو 90 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في الكويت ما يعني أنها الأكثر اعتمادا على النفط بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. تشمل سلبيات هذه الحقيقة غير الإيجابية جعل المالية العامة للدولة تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي.
زيادة الإيرادات والمصروفات
في التفاصيل، تبلغ قيمة النفقات والإيرادات العامة 64 مليار دولار و48 مليار دولار على التوالي، الأمر الذي يعني وجود عجز قدره 16 مليار دولار. يتناقض هذا المستوى من العجز مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي ، الذي تم إطلاقه في 2010 الذي يلزم عدم ارتفاع عجز الميزانية العامة عن 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
بيد أنه يتوقع أن يتم تحويل العجز المتوقع لفائض فعلي نظرا لتوقع تعزيز الإيرادات في نهاية المطاف. حقيقة القول، تم إعداد الميزانية بافتراض متوسط سعر قدره 60 دولارا للبرميل مقارنة بـ 43 دولارا للبرميل في الميزانية السابقة. لكن يعد هذا الرقم أقل بكثير من الأسعار السائدة في الأسواق العالمية، حيث بلغت حديثا 87 دولارا للبرميل. ويعزى ارتفاع أسعار النفط إلى عودة الروح للاقتصاديات العالمية وذلك على خلفية تبني كثير من الدول توصية مجموعة العشرين، المتمثلة في زيادة النفقات العامة بقصد رفع مستويات النمو. وتتماشى ميزانية الكويت للسنة المالية الجديدة مع توصيات مجموعة العشرين كما جاء في مؤتمري كندا وكوريا الجنوبية في عام 2010.
يوجد سبب آخر يدعو لعدم التخوف من حصول عجز فعلي، والإشارة هنا إلى توقع عدم تنفيذ كامل النفقات المخصصة للميزانية العامة. ويكمن سبب جزئي لهذا التوقع في مسألة الطاقة الاستيعابية بالنظر للأهمية النسبية الكبيرة للمالية العامة في الاقتصاد المحلي. كما من شأن تحاشي التنفيذ الكامل للنفقات العامة الحد من ظاهرة التضخم. لا شك أن التضخم يعد أكبر عدو للاقتصاد كونه يضر الجميع خلافا لما عليه الحال مع البطالة.
مزايا للمواطنين
لكن يعتقد بن هناك سببا آخر لتعمد تبني رقم محافظ نسبيا لمتوسط سعر النفط، وبالتالي التأثير في الإيرادات ومن ثم العجز. ويمكن الهدف بوضع حد لمطالبات أعضاء مجلس الأمة لزيادة رواتب موظفي القطاع العام. تتمثل المطالب الاعتيادية لأعضاء المجلس التشريعي بزيادة الرواتب في إطار إعادة توزيع الثروة في البلاد بين المواطنين. يشار إلى أن نحو 92 في المائة من العمالة الوطنية في الكويت تعمل في المؤسسات التابعة للدولة ما يعني أن أي زيادة في الرواتب تطول الأغلبية العظمى من المواطنين.
وكان لافتا قرار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في وقت سابق من الشهر الجاري بمنح ألف دينار كويتي أي 3571 دولارا لكل مواطن ابتهاجا بالذكرى الـ 50 لاستقلال الكويت. وقد تزامنت المكرمة الأميرية مع طرح مشروع الميزانية لأسباب يمكن تفهمها. وفي كل الأحوال، يتوقع استمرار مطالبة النواب بمنح زيادات مالية أخرى للمواطنين بالنظر لارتفاع أسعار النفط، وبالتالي القدرة على زيادة العوائد المالية للدولة.
الأجيال المقبلة
تتميز الكويت باقتطاع 10 في المائة من إيرادات الخزانة العامة للدولة لصندوق خاص للأجيال المقبلة. يهدف هذا البرنامج إلى ضمان حصول الأجيال المقبلة على حقهم من خيرات البلاد وهي سياسة جديرة بالاحترام، حيث وفرت الأموال لتمويل عملية تحرير البلاد من القوات العراقية الغازية في عام 1990.
ختاما، الكرة الآن في ملعب مجلس الأمة لتمرير المشروع، حيث ليس من المستبعد أن تستغرق العملية عدة شهور كما هو الحال مع الميزانية العامة ، التي تم إقرارها بشكل نهائي بعد شهرين من بدء السنة المالية. لكن ليس من المناسب توجيه اللوم للمشرعين، حيث تعد عملية إقرار الميزانية العامة من أهم أنشطة المجالس النيابية لأنها ترسم السياسة العامة بما في ذلك توزيع الثروة بين المواطنين وإيجاد حلول لتحديات مختلفة منها تنويع مصادر الدخل والحفاظ على مصالح الأجيال المقبلة.