الاقتصاد المصري في مهب الريح

تضيف التطورات السياسية والأمنية المستمرة إلى أعباء الاقتصاد المصري, الذي يعاني أصلا تحديات صعبة مثل البطالة والتضخم والمديونية. من جملة التداعيات السلبية، لجأت مؤسسة ستندارد آند بور المتخصصة في منح الملاءات المالية، إلى تخفيض الدرجة الائتمانية لمصر من (بي زائد) إلى (بي بي).
كما حذرت المؤسسة من إجراء تخفيض إضافي في غضون ثلاثة أشهر، إذ من شأن هذه الخطوات رفع تكلفة حصول مصر على تسهيلات مالية من المؤسسات الدولية بالنظر لارتفاع درجة المخاطرة. كما يتوقع أن تلجأ شركات التأمين إلى رفع الرسوم المفروضة على التجارة مع مصر, وربما على التجارة البريئة التي تمر عبر قناة السويس.

عائدات قناة السويس
بل ليس من المستبعد حدوث تراجع من جديد لعائدات قناة السويس, التي كانت قد بلغت نحو 4.5 مليار دولار في حزيران (يونيو) 2010, أي مع انتهاء السنة المالية في مصر. وكانت عائدات قناة السويس قد تعرضت لانتكاسة نتيجة الأزمة المالية العالمية في صيف 2008 وما خلفتها من تدن لمستويات التجارة. لكن تم تسجيل تحسن في حجم عائدات القناة للسنة المالية الممتدة ما بين 2009 و2010 كدليل على تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات الأزمة المالية.
إضافة إلى ذلك، يتوقع حدوث تراجع لحجم تحويلات العمالة المصرية العاملة في العالم وعددهم ستة ملايين فرد على خلفية تطورات شملت إغلاق البنوك المصرية وتعليق أعمالها في خضم التطورات التي شهدتها البلاد. حقيقة القول، تعد التحويلات حيوية بالنسبة لديمومة الاقتصاد المصري كونها تجلب عملات صعبة وتوفر لقمة العيش لعدد كبير من الأسر.
تحويلات العمالة
حسب البنك الدولي، بلغت قيمة تحويلات العمالة المصرية 7.6 مليار دولار في عام 2010. يعد هذا الرقم كبيرا عندما مقارنته بـ47 مليار دولار حجم إيرادات الخزانة العامة للسنة المالية 2009 و2010. بل عانت المالية العامة في السنة المالية الماضية عجزا فاق 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المصري. وعليه، شكلت تحويلات العمالة المصرية, الذين يعمل جلهم في دول مجلس التعاون الخليجي, خصوصا الكويت والسعودية، مصدرا مهما للتعامل مع العجز المالي.
من جهة أخرى، لا يمكن وضع أرقام محددة لحجم خسائر أسواق المال في مصر فضلا عن العالم نظرا لعدم انتهاء الأزمة. وفي كل الأحوال يجري الحديث عن خسائر بمليارات الدولارات في مصر وحدها عدا الاقتصادات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد المصري. ويشكل حدوث خسائر في أسواق المال العالمية دليلا جديدا على أننا نعيش عصر العولمة, حيث تتأثر الاقتصادات فيما بينها. كما تسببت الأحداث في خسارة العملة المصرية نسبة مؤثرة من قيمتها بسبب حالة الخوف التي انتابت المتعاملين معها وضعف الإقبال عليها.

القطاع السياحي
إضافة إلى ذلك، هناك الخسارة الكبيرة في القطاع السياحي, الذي يعد من أهم مصادر الحصول على العملة الصعبة وتوفير الوظائف لقطاعات مختلفة. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، استقطب القطاع السياحي المصري نحو 14.7 مليون سائح عام 2010 الذين دروا فيما بينهم عائدا قدره 13 مليار دولار على اقتصاد البلاد. تتمتع مصر بعامل جذب الزوار الغربيين في فصل الشتاء، حيث البرودة في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، وعليه تزامنت الأحداث مع موعد الحصاد فيما يخص قطاع السياحة.
فضلا عن كل ذلك، يواجه الاقتصاد المصري العديد من التحديات الأخرى مثل البطالة والمديونية والتضخم. تعد البطالة مشكلة رئيسة في مصر, حيث تبلغ نحو 10 في المائة حسب الإحصاءات, لكن أكثر استنادا إلى مصادر أخرى. ويخشى أن تتفاقم الأزمة في المستقبل مع الأخذ في الاعتبار أن ثلث السكان هم دون سن الـ15, ما يعني دخول أعداد كبيرة منهم سوق العمل بحثا عن وظائف تتناسب وتطلعاتهم.

نظرة مستقبلية
كما يواجه الاقتصاد المصري ديونا تزيد قيمتها على 30 مليار دولار، حيث تعد مرتفعة ليس من حيث النسبة للناتج المحلي الإجمالي، بل من القدرة على توفير المبالغ اللازمة للوفاء بالالتزامات المالية. تعتمد مصر بشكل جزئي على تحويلات العمال في الخارج, فضلا عن الزوار للحصول على العملة الصعبة لدفع الدين والفوائد المستحقة, وهي من المسائل التي تضررت على خلفية الأحداث الأخيرة.
وهناك معضلة التضخم التي تم تقديرها بنحو 10 في المائة في عام 2010, مؤكدا أنها تفاقمت بعد اندلاع الأزمة الداخلية بسبب النقص في المواد التموينية وتراجع قيمة الجنيه المصري. يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد, لأنه يعكس عجز السلطات على تبني سياسات اقتصادية سليمة.
ختاما، بمقدور الاقتصاد المصري استعادة عافيته على المدى المتوسط, فضلا عن البعيد نظرا لتمتع أرض الكنانة بالكثير من مواطن القوى مثل الثروة البشرية ووجود صناعة متكاملة للسياحة. لكن يعتمد الأمر بشكل رئيس على كيفية معالجة السلطات الأزمة السياسية في ظل مراقبة دولية لجزئيات الأمور, الأمر الذي يكشف الأهمية النسبية لمصر على الصعيد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي