القطاع العقاري والحاجة إلى هيئة تنقذه

يعد القطاع العقاري إحدى أهم قنوات الاستثمار المهمة, فهو أحد أهم القواعد الاقتصادية للدولة ويقدر حجمه بالمليارات. ويمثل ما يزيد على 15 في المائة من النتاج الوطني سواء بالتأثير المباشر أو غير المباشر. وهو في ظل وجود بعض التعقيدات في الأنظمة التي تقيد القواعد الاقتصادية الأخرى مثل التجارة والصناعة والسياحة والزراعة، وما تلقاه هذه الأنشطة من مشكلات صعوبة الاستقدام في وقت لم تهيأ له فكرة السعودة، يبقى الخيار الوحيد للاستثمار مع توأمه المشاكس, وهو سوق الأسهم, أسهل وأسرع فرص للاستثمار وأكثرها جاذبية لحين نجاة وإعادة الحياة لقنوات الاستثمار الأخرى التي أشبعت تعقيدا. ولو سألت أي مواطن لديه مبلغ من المال أين يستثمر، فإنه يجيبك بأحد الخيارين وهما العقار أو الأسهم. ولو فررنا من تعقيدات الأنظمة لوجدنا أننا شعب لا يعي أو يفهم ثقافة العمل والإنتاجية, بل إننا نبحث عن الراحة والاستثمار في قنوات العقار والأسهم وبدون وجع دماغ أو بدن.
لكن هذا القطاع العقاري رضخ لبعض التشوهات والممارسات السيئة على مدى العقود الماضية. وهي تركت آثارها السلبية على سمعة المهنة ومؤسساتها العريقة ورجالها الموثوق بهم. وألحقت الضرر ببعض المواطنين والضعفاء. وهؤلاء استغلوا ثقة المسؤولين وولاة الأمر مباركة تلك المشاريع, لكنهم خذلوا وزعزعوا تلك الثقة. واستعملوا أسلوبا مبالغا فيه ومغريا لخداع الناس, لذلك فإن مثل هذه الممارسات وعلى الرغم من التحرك الأخير لوضع بعض التنظيمات، إلا أنها غير مقنعة وكافية. لذلك فإننا يجب ألا نغمض أعيننا عنها، ولا ندعها تمر بسهولة، وأن تطرح على طاولة النقاش لوضع حد لها ولردع غيرهم. وإلا فإنها ستبقى وصمة سوداء في تاريخ إحدى أهم قواعدنا الاقتصادية، وستترك سلبياتها على بقية الاقتصاد الوطني. وستساعد على هجرة الأموال والاستثمارات إلى الدول المجاورة, ما يؤثر سلباً في اقتصادنا ومدخراتنا.
وبعكس سوق الأسهم, التي تنظمها هيئة رأس المال, تفتقد سوق العقار جهة أو هيئة منظمة لها تضع ضوابط وأنظمة وقوانين تحكمها وتحاول التنبؤ بالمشاكل المستقبلية لهذا القطاع ومحاولة توجيهه لتلبية الاحتياجات والعرض والطلب الحالي والمستقبلي. فترك لبعض الممارسات الخاطئة التي هي دخيلة على هذا النسيج والإرث العقاري التي تسيء إلى أهل هذه الصناعة. وهي ممارسات لدخلاء قليلي الخبرة وحديثين على المهنة سواء بحسن أو سوء نية. وتمتد تلك الممارسات الخاطئة إلى موضوعات الاعتداء على الأراضي والصكوك المزدوجة التي يظهر أصحابها بعد البيع والتصرف في الأموال, أو الشراء بسعر وإدخال المساهمين بسعر أعلى، متجاوزين بذلك الأنظمة والقوانين التي حددتها وزارة التجارة, أو التبايع فيما بينهم لرفع سعر الأرض على الصك.
لقد سجل الاستثمار القطاع العقاري وثبات عالية في السنوات القليلة الماضية وتطورا ملحوظا لوسائل التطوير والتسويق, ولا سيما في مجال المساهمات العقارية التي أصبحت موضوع الساعة. ومثل هذا النجاح لا بد أن يتعرض للانتقاد سواء من المواطنين أو المهن الأخرى التي لم تتح لها الفرصة للتطور.
ولست أنزه بعض المواطنين من السعي الأعمى وراء الربح السريع وما يصور لهم من أرباح خيالية أو عدم وجود بعض الممارسات الخاطئة أو غير المدروسة, التي تؤثر في سمعة الجميع سواء عن حسن أو سوء نية. إلا أن الاشتراطات والانتقادات للإجراءات التي يجب اتباعها لتنظيم المساهمات العقارية بدأت تأخذ منحى آخر معقدا وشائكا، وكثر الجدل حولها والمطالبة بشروط أكثر لمحاولة تقييدها وتعقيدها. وهذه الاشتراطات كثيرة تبنتها وزارة التجارة. ولعلي أرى أن الفرصة مناسبة اليوم للسماع لنوع من الطرح الذي يساعدنا على إيجاد مخرج من هذه التعقيدات, التي تؤدي إلى نتائج عكسية مثل تصدير الأموال والاستثمارات الوطنية إلى الدول الخليجية المجاورة والخارج. والتي تراقب بحذر نتائج المد والجزر في القرارات بين العاملين المنتجين في قطاعاتنا الاقتصادية وبين المنتقدين الذين يحرضون على التشدد وإضافة شروط وتعقيدات قد تحد من نشاط وحماس العقاريين والمستثمرين.
إن الاستثمار العقاري إضافة إلى كونه مربحا لبعض المواطنين، إلا أنه نوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. كما أن المواطن سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته سواء من الكماليات كسيارات وساعات وأدوات تجميل والعلاج في المستشفيات والمستوصفات أو الأغذية وغيرها من التدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى, وبذلك تحرك الاقتصاد الوطني. كما أنها ساعدت على امتصاص جزء كبير من السعودة وتشغيل غيرهم من الدول العربية والإسلامية الشقيقة.
إن ما ننظر إليه هو ضرورة العمل على تأسيس هيئة عليا للقطاع العقاري، وأن نستمر في تطوير هذه المهنة وابتكار طرق أحدث للاستثمار العقاري وللمساهمات وتسويقها مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير, خاصة لمعرفة مدى استفادة الاقتصاد والمجتمع من هذه المساهمات ولكشف من هم المستفيدون الحقيقيون منها, حتى نستطيع الدفاع عن هذا النشاط الاقتصادي المهم ونحفظ له الاستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي