كعك الوحل

«أعطوا الخبز لخبازه»، اختصار لقناعة فطر عليها الناس بأن أصحاب التجربة والخبرة في مهنة معينة هم الأجدر والأقدر على توليها، وتكون قاعات المؤتمرات من أكثر الأماكن رواجا لجمع أصحاب المعرفة والاختصاص في مناقشة مسألة أو موضوع ما. لكن هل ينطبق هذا الأمر على شريحة الخبراء المختصين بشؤون الدول الفقيرة والمعنيين بقضايا الفقر والجوع والبطالة. أي بمعنى هل الخبراء الذين تم جمعهم هم من جياع العالم والعاطلين عن العمل أم هم فقراء سابقون؟ وبالتالي هناك مبرر قوي لأن نستمع إلى تعليقاتهم وتجربتهم في هذا الأمر. لكن الواقع بعيد عن ذلك، فمعظم المؤتمرات والاجتماعات التي تناولت تلك القضايا تعاملت مع هؤلاء البشر كأرقام فقط، وهذه الأرقام دائمة مرجحة للزيادة. لكن لا تتجاوز الحلول حدود إطلاق التحذيرات لأخذ الموضوع على محمل الجد والإسراع في تنفيذ خطوات عملية لتأمين الغذاء والعمل لأكبر عدد من فقراء العالم. لكن أسرع إجراء يتم اتخاذه في كل مؤتمرات الجوع والفقر، هو التدافع إلى قاعة الطعام الملحقة بغرفة الاجتماع للتمتع بأصناف الطعام والشراب.
ونفترض أن من بين أسباب فشل معظم المؤتمرات التي تتناول مشاكل العوز والفقر والجوع والبطالة، التعامل مع المشكلة افتراضيا وكأنها تخص أناسا من كوكب آخر. فالحديث يتم ضمن قاعات فنادق الخمسة نجوم، لذلك ستكون الحلول «مخملية». فهل نتوقع مثلا من اجتماعات منتدى دافوس الاقتصادي أي حلول لمشاكل العالم الثالث؟ فمعظم الأجندات السابقة كررت التحذير من مستويات التضخم ووصفتها بالمقلقة، إضافة إلى ضرورة إلغاء الإجراءات الحمائية أي تسهيل دخول البضائع بين الدول بدون زيادة رسوم جمركية، الأمر الذي يخدم مصالح دول العالم المتقدم وبضائعه. ولا ننسى العبارة المفضلة لدى المشاركين في دافوس بأهمية ترسيخ مفهوم الاقتصاد الحر الذي يلغي الحواجز ويسهل التعاملات بين أقطاب العالم، وحتى لو حاول منتدى دافوس وغيره من مؤتمرات الخمسة نجوم أن يتطرقوا إلى مشاكل البشر الحقيقية لا يمكن أن تكون الحلول واقعية، فلا يمكن رؤية العاطلين عن العمل وسماع قصص إحباطاتهم، ضمن أروقة الفنادق، ولا يمكن الإحساس بتآكل مستويات رواتب الأفراد بسبب الغلاء المستمر.
إذن لضمان أن تكون آراء المعنيين والخبراء مبنية على معاينة واقعية لمشاكل البشر، فيجب أن تعقد الاجتماعات بعيدا عن القاعات المكيفة وبين الناس الذين يناقشون مشاكلهم وبدلا من الكرواسون وفطائر الجبن على المجتمعين تناول كعك الوحل، وجبة فقراء هايتي التي يصنعونها من الملح وبعض الزيوت والمواد الدهنية ويمزجونها مع القش والوحل، ثم تجفف بالشمس، وقد يكون ضروريا اصطحاب مجموعة من خبراء التغذية الذين تعج بهم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، علهم يكتشفون سخافة نصائحهم التي يمطروننا بها صباحا ومساء، حول أنواع الأغذية والفيتامينات والبروتينات التي يحتاج إليها الجسم البشري، ويحاولون اختراع وصفات تنسجم مع قلة الطعام والمكونات المتاحة، ربما يقتنعون أن الإنسان يستطيع البقاء حيا حتى لو كانت وجبته الأساسية «كعكة وحل» صغيرة كل ثلاثة أيام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي