لماذا تتعثر جهودنا؟
كانت وستظل مشكلة التنمية في بلادنا مشكلة إدارية بالدرجة الأولى! لقد مارسنا التخطيط الاقتصادي لمدة أربعة عقود، بيد أننا لم نحقق تقدما مرضيا صوب الأهداف التي كنا نتوخاها. لقد تحدثنا كثيرا في السنوات الأخيرة عن تحديات تنموية متعددة كان من أهمها مشكلتا البطالة والإسكان، لكن جهودنا في وضع حلول مقبولة لها ما زالت تراوح مكانها، والسبب أننا لم نسلك الأسلوب المنهجي الصحيح للتصدي لهذه المشاكل. وما هذا الأسلوب؟ لننظر مثلا لما فعلته ألمانيا لمواجهة مشكلة البطالة، والغرض هو التمعن في منهج حل المشاكل مع تقديرنا للاختلاف الكبير بين طبيعة الاقتصادين السعودي والألماني.
بعد سقوط جدار برلين وتوحد ألمانيا، واجهت البلاد مشاكل متعددة بسبب الفروق الاقتصادية بين شطرها الشرقي الذي كان خاضعا لنظام اشتراكي شمولي، وشطرها الغربي الرأسمالي. وبعد نحو عشر سنوات من الوحدة كانت البطالة هي أكبر تحد واجه الاقتصاد الألماني، ثم انتخب الشعب الألماني حينها المستشار جيرهارد شرودر بناء على وعد منه للناخبين بأن تكون مهمة خفض معدل البطالة هي قضيته الأولى. فكيف تصرف شرودر حينها؟ روت صحيفة ''الهيرالد تريبيون'' حينها كيف أن المستشار شرودر اتصل في عام 2002 بصديقه بيتر هارتز عضو مجلس إدارة شركة فولكس واجن والمسؤول فيها عن شؤون الموارد البشرية وطلب منه أن يتفرغ تماما لدراسة مشكلة البطالة، وأن يقترح له حلولا عملية محددة قابلة للتطبيق. وذكّره بأن هذه مهمة وطنية وأن أمامه ستة أشهر فقط لإنجازها. وتعهد المستشار له بمساندته وتوفير كل ما يحتاج إليه من كفاءات بشرية ومخصصات مالية.
وافق هارتز على قبول المهمة قائلا: عندما يطلب منك مستشار ألمانيا أن تفعل شيئا من أجل الوطن، لا يمكن أن يكون للمرء خيار في ذلك! ثم انخرط هارتز وفريق العمل الذي اختاره بعناية في جهد متواصل اقتضى منهم 16 ساعة عملا يوميا على مدى ستة أشهر متواصلة، عكفوا خلالها على دراسة وتحليل مختلف الدراسات والنماذج الدولية المتعلقة بقضايا البطالة، مركزين على ما يمكن أن يكون صالحا للتطبيق في ألمانيا. وقد كان هدفهم محددا وواضحا وهو أن يقترحوا برنامجا لخفض حجم البطالة إلى النصف في غضون ثلاث سنوات!
وفي الوقت المحدد ذهب الرجل، وقدم لمستشار ألمانيا نتائج الدراسة، وبصرف النظر عن مقترحات اللجنة، وما واجهته من معارضات ومظاهرات، فإن ما يهمنا من هذه القصة هو منهج التصدي لحل القضايا والتحديات الوطنية.
نفهم مما سبق أنه لا سبيل للتوصل لحلول فعالة لمشاكلنا دون الالتزام بالمبادئ الإدارية والمواقف الاستراتيجية التي استقر عليها المنطق ومنها:
1- توافر الرغبة الصادقة والعزيمة الماضية لحل المشكلة.
2- اختيار رئيس وفريق عمل من الكفاءات البشرية الملائمة والمؤهلة.
3- تفرغ أعضاء الفريق بشكل كامل للمهمة الموكلة إليهم.
4- توفير كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لفريق العمل.
5- تعريف المشكلة ووصفها بدقة، وتحديد الهدف المراد إنجازه.
6- تحديد فترة زمنية معلومة لفريق العمل لإنجاز المهمة الملقاة على عاتقهم.
وكان الدكتور سليمان العريني قد كتب هنا في الأسبوع قبل الماضي مقالة قيمة عضدت ما سبق أن كتبته في الأسبوعين الماضيين تحت عنوان: التفكير الاستراتيجي، ثم تحت عنوان: ''استحقاقات متوقعة''. فقد عدد الدكتور العريني ببراعة المتخصص أسباب سوء تنفيذ كثير من مشاريع البنية التحتية في بلادنا، مؤكدا أن التاريخ والوقائع والحقائق تبين أن سبب تعثر مشاريعنا وبرامجنا ليس في الأسماء والوجوه، ولا في نقص الاعتمادات المالية، وإنما في افتقارنا لرؤية وخطة استراتيجية شاملة، وبرامج متابعة محددة بزمن معين وبتكاليف تقديرية واضحة ومرتبطة بنظام مؤشرات أداء دقيقة، يكملها أنظمة محاسبة ورقابة فنية فعالة، لا جدال أننا دون هذا الطريق سنبقى معتمدين على المسكنات، وتلفيق الحلول التي سرعان ما ينكشف لنا وهنها، إن أردنا النجاح علينا أن نقلد مناهج الناجحين.