سعودي.. بين ليبيين!
طالما فوجئ الطلاب السعوديون المبتعثون هنا في بريطانيا بشخصية الطالب الليبي، الذي ظل لمدة طويلة يشاهد من خلال شخصية رئيس غريب الأطوار والطباع، لتتم عملية إعادة اكتشاف هذه العربي المسلم الذي يشبهنا إلى حد كبير في اللهجة والعادات ونمط الحياة. الليبيون بطبيعتهم أفراد مسالمون متواضعون محبون للخير، وتظهر على كثير منهم صفات الجدية والاستقامة.
اليوم يحدثني طلاب ليبيون في الجامعة التي أدرس فيها ــــ وهم في طريقهم لمظاهرة يحاولون من خلالها شجب واستنكار استهانة القذافي بدماء شعبه ـــ أن رجلاً رفيعاً في السفارة الليبية في لندن اتصل بهم شخصياً طالباً إيقاف المظاهرة، لكن هؤلاء الطلبة رفضوا بكل عزة أن يسهموا في تكميم أفواه القلوب الحرة من التعبير عن وقوفها مع الثائرين لحقوقهم، المنتفضين على الظلم والجور الذي ربض على قلوبهم أكثر من أربعة عقود.
أجبته متسائلاً: إلا يعني هذا احتمالية أن يتسبب رفضكم في وقف بعثتكم؟
أجابوا: هذا ما لا نرجوه ولكن الأرزاق بيد الله.
تذكرت نقاشا دار بين بعض الطلاب السعوديين في ضرورة أن يكون لنا موقف إيجابي تجاه إخوتنا الطلاب الليبيين، لو وجه (ملك ملوك إفريقيا) بوقف مستحقاتهم المالية في بلد مكلف كبريطانيا، فعرضت على الإخوة الليبيين ألا يترددوا في الإشارة إذا ما سارت الأمور إلى هذا الاتجاه ــــ لا سمح الله، فما كان من أحدهم إلا أن تقدم راغباً تقبيل رأسي تقديراً منه لهذا الموقف الأخوي النبيل من قبل الطلبة السعوديين.
للثورة الليبية عدة جوانب والجانب الإنساني يكاد يكون أبرزها، فنتائج استعمال القوة والإسراف في ذلك من قبل نظام معمر القذافي تجاه شعبه، وبني قومه العزل، وتباطؤ المجتمع الدولي في ردعه، ولد وسيولد مشكلات إنسانية ونقص في ضروريات الحياة الأساسية من طعام وشراب ودواء، كما حذر برنامج الغذاء العالمي. وإن حقوق الإسلام والعروبة واللغة والجوار توجب علينا اليوم قبل غد الوقوف مع إخواننا وأخواتنا في ليبيا.
ما يسبب في الحلق غصة أن ترى بعض المنظمات الخيرية الغربية تتوافد إلى مناطق الحاجة والاضطرابات في المناطق الإسلامية قبل المنظمات الخيرية الإسلامية، وبالذات الخليجية التي تعيش فترة من أغنى مراحل عمرها المديد ـــ بإذن الله ــــ وكأن الواجب ألا تتحرك البواعث الخيرية لدى العرب ـــ هذا إذا تحركت ــــ إلا بعد إذن المنظمات الغربية.
لقد خذل العرب غزة ولم يتحركوا إلا بعد أن كسرت قوافل تركية حاجز الصمت، واليوم يقف العرب متفرجين على مشهد حزين في ليبيا ولا ندري السبب الذي لا يجعل ردة فعل العرب أسرع وأقرب وأكرم.
ليس من صالح الحكومات والمجتمعات الخليجية الغنية أن تنكفئ على نفسها في مجال العمل الخيري والإنساني، ولا سيما في وقت الحاجة، فلاعبون كثر يبحثون عن دور لهم في المنطقة، وأغلبية هؤلاء اللاعبين يتصرفون ضد مصالح المنطقة واستقرارها.