تحدي سوق العمل في سلطنة عمان
يوجد شبه اتفاق بين المتابعين للشأن العماني على أن واقع سوق العمل يشكل حجر الزاوية بالنسبة للأحداث الأمنية والسياسية في منطقة صحار الواقعة للشمال من العاصمة مسقط, فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تراوح نسبة البطالة في عمان بين 12 و15 في المائة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف أغلبيتهم من الإناث, بل ترتفع نسبة البطالة في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة.
مؤكدا، تعد هذه النسبة مرتفعة ومهددة بالارتفاع بالنظر للإحصاءات السكانية. يعد المجتمع العماني يافعا، إذ يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 43 في المائة من مجموع المواطنين. مؤكدا، يتوقع دخول أعداد كبيرة من الشباب لسوق العمل في السنوات المقبلة بحثا عن وظائف تتناسب ورغباتهم من حيث النوعية والأجر وظروف العمل.
إحصاءات التوظيف
حقيقة القول، تشير الحقائق المرتبطة بسوق العمل إلى ضخامة وضآلة فرص توظيف العمالة الوطنية في القطاعين الخاص والعام على التوالي. يستحوذ المواطنون على نحو 30 في المائة من فرص العمل المتوافرة في مؤسسات القطاع الخاص, ما يعني من الناحية النظرية وجود فرص عمل للعمالة المحلية في هذا القطاع الحيوي. بيد أنه تؤكد الإحصاءات المتوافرة استحواذ العمالة الوافدة على نحو 80 في المائة من فرص العمل الجديدة في القطاع الخاص لأسباب مختلفة، منها استعدادهم للعمل بأجور متدنية، ولساعات عمل أكثر مما تنص عليه قوانين العمل.
في المقابل، يشكل المواطنون أكثر من 90 في المائة من القوى العاملة في القطاع الحكومي, ما يعني محدودية فرص العمل الجديدة في الدوائر والمؤسسات الرسمية. بل تؤكد رؤية عمان 2020 أهمية تقليص حجم الوظائف في المؤسسات الرسمية تماشيا مع مبادئ تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
بعض الخطوات
في خطوة استباقية لكنها مثيرة للجدل قبل فترة قصيرة منذ اندلاع الأزمة في منطقة صحار، أقدمت السلطات على رفع متوسط الراتب الشهري للقوى العاملة الوطنية دون سواهم في القطاع الخاص بنسبة 43 في المائة إلى 520 دولارا. من جملة الأمور، لا يتماشى هذا الإجراء مع توصيات منظمة العمل الدولية بعدم التمييز على أسس في الأجور للوظائف نفسها. لا شك أنه من حق السلطات أن تمنح مواطنيها مزايا مثل بناء منازل حكومية، لكن ليس ممارسة التفضيل في الدفع على أسس عرقية أو جندرية.
وقبل زيادة متوسط الدفع للعمالة المحلية في القطاع الخاص، أقدمت الجهات الرسمية على تنفيذ خطوة أخرى تتمثل في الحد من التأشيرات الممنوحة لجلب عمالة أجنبية للعمل في بعض القطاعات مثل الاستيراد والتصدير والأندية الصحية. ويبدو أن الأمر كان مرتبطا بشكل أساسي بانتقادات صدرت من تقرير أمريكي يتعلق بمسألة المتاجرة بالإنسان أو الرقيق الأبيض. وفي كل الأحوال، وفرت هذه الخطوة فرصة أخرى لتوظيف العمالة المحلية ربما رغم عدم رضا مؤسسات القطاع الخاص.
زيادة النفقات
عموما، نعتقد أن الأوضاع الاقتصادية, وبالتالي مسألة إيجاد فرص عمل للمواطنين في تحسن بالنظر إلى تطورات تشمل زيادة نفقات السنة المالية 2011 لأكثر من 9 في المائة. بل توفر حالة ارتفاع أسعار النفط وبقائها مرتفعة من فرص إقامة مشاريع جديدة، ربما لم تتوافر لها موازنة عند إعداد المالية العامة للدولة. يسهم القطاع النفطي, أي النفط والغاز, بنحو ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة في السلطنة, ما يعني أن من شأن ارتفاع أسعار النفط زيادة النفقات العامة ومن ثم النشاط الاقتصادي.
وكانت السلطات قد أقرت موازنة السنة المالية 2011 بمتوسط سعر للنفط قدره 58 دولارا للبرميل, أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في أسواق النفط العالمية في الوقت الحاضر. بل ليس من المستبعد أن يبلغ متوسط سعر النفط نحو 90 دولارا للبرميل في 2011 لأسباب لها علاقة بتطورات سياسية وأمنية في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط, التي تعد أهم مصدر للصادرات النفطية.
وفيما يخص الإنتاج النفطي لعمان، تشير الأرقام إلى تعزيز مستوى الإنتاج من 760 ألف برميل يوميا في 2008 مرتفعا إلى 810 آلاف برميل يوميا في 2009 ونحو 850 ألف برميل في عام 2010 مع استمرار الزيادة في الإنتاج خلال العام الجاري. وتعود الزيادة المطردة للإنتاج النفطي إلى نشاط تحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال الأمريكية, الذي فاز في عام 2005 بعقد لتعزيز إنتاج حقل مخزينة من عشرة آلاف برميل يوميا إلى 150 ألف برميل يوميا.
وربما هذا يفسر جانبا من توقع تقرير لصندوق النقد الدولي بنمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي, أي المعدل لعامل التضخم في عمان بنحو 5 في المائة في العام الجاري, وهي نسبة قديرة. ويعود هذا الأداء الإيجابي إلى ثلاثة أسباب, هي ارتفاع أسعار النفط وتوسع الإنفاق الحكومي وتنامي أنشطة الإنتاج والتصدير.
ختاما، توافر حالة ارتفاع أسعار النفط وبقاؤها مرتفعة فرصة ذهبية للجهات الرسمية لمواجهة تحدي إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين يجب استثمارها بشكل كامل.