بدل البطالة والاستثمار في رأس المال البشري

يمثل بدل البطالة, الذي تم إقراره أخيرا, حلا مؤقتا للآثار السلبية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تخلفها البطالة على الوضع في المملكة. وحتى نستطيع أن نحول هذا الحل المؤقت إلى حل يسهم في معالجة الخلل في سوق العمل بين المخرجات والطلب في سوق العمل، فإننا في حاجة إلى ربطه بالتدريب والتوظيف.
اختلاف القوة الشرائية بين دول العالم، وانفتاح سوق العمل السعودية على دول العالم، وسهولة حركة رأس المال وانتقاله، يجب أن تؤخذ في الحسبان عند دراسة سوق العمل في السعودية. العمالة الوطنية جزء من العمالة المتاحة للعمل في الاقتصاد السعودي، وبسبب اختلاف القوة الشرائية من بلد إلى آخر, فإن الشركات المحلية تستطيع أن تستفيد من اختلاف القوة الشرائية باستقدام عمالة بتكلفة أقل مقارنة بالقوة الشرائية في السعودية, وبالتالي, فإنتاجية العامل أقل من أجره في الاقتصاد السعودي, وهي في هذه الحالة تمثل متوسط أجر العامل في الدول التي يتم استقدام العمالة منها لتلبية الطلب في القطاع محل الدراسة, بالذات في الوظائف الدنيا أو غير الماهرة. لذا فإن ربط بدل البطالة بالتدريب سيرفع من إنتاجية العامل السعودي ليتجاوز إمكانات العمالة الوافدة التي ستنعكس إيجابا على الطلب والأجر الذي يتقاضاه, وبما أن مخرجات التعليم واختلافها عن الطلب الحقيقي في السوق جزء من أسباب المشكلة, فإن ربط بدل البطالة بتسجيل العاطل عن العمل في إحدى المؤسسات التدريبية المعتمدة سيضمن أن تكون الفترة الزمنية التي يقضيها العاطل عن العمل فترة بناء وليست فترة هدم لإمكاناته المهنية والشخصية. ويسمح خلالها للفرد بتحديد التدريب الذي يرغب في الالتحاق به، وتطوير مهاراته الشخصية أو المهنية لترتفع نسبة احتمالية حصوله على عمل. ويفترض ألا يقتصر دور الدورات التدريبية على تهيئتهم لسوق العمل, بل ينبغي أن يفتح الباب لدورات تدريبية تسهم في إنشاء المشاريع الصغيرة والأعمال الخاصة، للاستفادة من قروض المشاريع الصغيرة المتاحة. ولتشجيع هذا الاتجاه فإن من المتوقع من الحكومة دفع تكاليف الدورات التدريبية التي يسجل فيها الفرد. وحتى يتحقق الهدف المنشود من ربط التدريب ببدل البطالة، فإن وزارة العمل مطلوب منها ضمان البيئة اللازمة لنجاح هذا الربط من خلال دورها في مراقبة أداء الجهات التدريبية بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب الفني والتدريب المهني. كما أنه من المتوقع من الوزارة القيام بدور المرشد للعاطلين عن العمل للمسار التدريبي المناسب للفرد من دون إجبار، بحيث تترك حرية الاختيار للفرد، من خلال قاعدة البيانات التي لديها عن الفرص المتوافرة في الوقت الحالي، وتوجهات الطلب المستقبلي حسب سوق العمل، وتوقعات نمو الاقتصاد السعودي والتغيرات التي يمر بها الاقتصاد بسبب مراحل النمو المختلفة.
إن الربط بين التدريب وبدل البطالة سيسهم في توجيه هذه الإعانات لتصبح جزءا من الاستثمار في رأس المال البشري، وتطوير القوى العاملة السعودية لتساعد على تطوير القدرات في داخل الاقتصاد. حتى تكتمل المنظومة وتسهم في حل البطالة بما يخدم الاقتصاد السعودي في الأجل الطويل، فإن أنظمة الاستثمار الأجنبي يجب أن يعاد النظر فيها بحيث لا تنافس المشاريع الصغيرة والمتوسطة, فالاقتصاد السعودي لا يعاني شح السيولة والموارد المالية المتاحة للاستثمار، بل إن الدعم الذي حظيت به الصناديق التي تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يمكن أن يؤتي ثماره بالشكل المناسب في ظل أنظمة الاستثمار الأجنبي, التي رفعت من درجة المخاطرة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة بسبب فتح المجال للمنافسة العالمية لهذه المشاريع في الداخل. وحتى تكتمل المنظومة وتحقق الهدف الأسمى منها، فإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن تدعم بأنظمة خاصة تراعي هذه المشاريع وتخفض تكلفة إنشائها وتسهل إجراءات الإنشاء, كما يجب دعم العمل من المنزل للاستفادة من ثورة المعلومات وإمكانات الإنترنت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي