الإصلاح .. من الباب الثالث

شعوب المنطقة تغلي ورياح التغيير تعصف بالمكان والقدور في بعض الأراضي تكاد تنكفئ بل إنها انكفأت فعلاً .. وراج في المنطقة خليط من الروائح يصعب للوهلة الأولى التمييز بينها. نوايا حاملي المسك اختلطت بنافخي الكير، واتقى بعض المفسدين بشعارات الإصلاح محاولين استغلال الظروف لصالح معركة لا تدور رحاها إلا في مخيلتهم فقط.
هنا في السعودية تأتي الأصوات الرسمية أكثر منطقية وحنكة في التعامل مع الظروف المحيطة، ومع ما يمكن أن يكون قد تسرب من الخارج وتطلع له بعض الشباب. فمن جهة تم اعتبار أمن المجتمع خطاً أحمر لا مجال لمساسه بممارسات تجلب الفوضى والاضطراب، ومن جهة أخرى تعبير صريح بالحاجة إلى الإصلاح، لكن بالطريقة المناسبة التي تلتزم الضوابط الشرعية وتراعي اللحمة الوطنية.
ومع ما يكون قد شاب كلمة الإصلاح من شوائب إلا أننا لابد ألاّ نعادي هذه الكلمة، فإذا ما نادى بها مواطن صالح فإن ذلك دليل على إخلاص وولاء وحرص وإيجابية في التفكير تتعدى الشأن الخاص إلى الرغبة في أن ينعم الجميع بحياة كريمة. إن أفضل الإصلاح ما تم بهدوء وفق رغبة صادقة وتخطيط واقعي ومراعاة للظروف وتنفيذ محكم، ولئن كانت الأنظار دائماً تتجه صوب الجهاز الحكومي كباب للإصلاح فإن القطاع الثالث الذي يضم المنظمات الخيرية والتطوعية لا يقل أهمية وجدارة في تحقيق كثير من مطالب الإصلاح لا سيما مطالب الإصلاح الاجتماعي، ولنا في الدول المتقدمة خير مثال، فقد أدت منظمات القطاع الثالث دوراً رائداً في تدوير الثروات بين الأغنياء والفقراء في المجتمع والمشاركة في توفير الخدمات الأساسية لأولئك الذين قد يعجز الجهاز الحكومي من الوصول إليهم مع حفظ ماء الوجه والكرامة الإنسانية، كما وفر لأفراد المجتمع المنادين بالإصلاح القدرة على المشاركة بأنفسهم في إحداث التغيير المنشود والإصلاح المقصود.
نحن مجتمع يغلب عليه الشباب، وهي فئة تملك قدرات هائلة وطموحات عالية وإشراكهم في عمليات الإصلاح والتغيير الإيجابي من خلال الأنشطة التطوعية والخيرية، سيحقق لهم حاجة ويلبي لهم مطلب كما سوف يجعلوهم يعيشون التغيير ويواجهون تحدياته ويتذوقون طعم المشاركة.
إن نظرة متفحصة للقطاع الخيري والتطوعي في السعودية تفصح عن عدم قدرته الحالية على استيعاب شرائح كثيرة من المجتمع أو المشاركة الفاعلة في عمليات الإصلاح الاجتماعي. إننا نفقد كل يوم الشيء الكثير بعدم الاهتمام بالعمل الخيري والتطوعي بالشكل الذي يجعله مؤهلاً لاستيعاب راغبي الإصلاح الاجتماعي والقيام بدور رائد في مسيرته.
وحتى يقوم القطاع الثالث بدوره المنشود في الإصلاح الاجتماعي فلابد من توسيعه أفقياً وعمودياًُ. أفقياً بتشجيع أفراد المجتمع على تأسيس جمعيات خيرية وتسهيل عمليات التسجيل، وعامودياً من خلال بناء قدرات المنظمات الخيرية ومدها بكل ما من شأنه تطوير إمكاناتها وتحقيق رسالتها الخيرية باستقلالية.
إن باب القطاع الثالث يتسع لكثير من محبي الإصلاح، ويستوعب كثيراً من طموحات راغبي التغيير، فهلاّ فتحناه لهم؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي