قرارات الملك بلسم لرفاهية المواطن
القرارات الأخيرة كانت بلسماً لكثير من المواطنين, ولامست أهم معضلتين في هيكل الرفاه الاجتماعي, هما البطالة والإسكان, وصدرت القرارات الشافية الوافية من ملكنا المحبوب للمساهمة في حل المشكلة المتراكمة من سنوات, والمفرح في الأمر هو الاهتمام بهاتين المشكلتين وأخذهما الحيز الكافي من فكر القيادة ووضعهما كأولوية في برنامج الرفاه الاجتماعي للشعب السعودي.
وأعترف بأن ثقتنا بملكنا لا حدود لها، والتحدي الآن هو في قيام الجهات المسؤولة بتطبيق القرارات على أرض الواقع ومتابعة التنفيذ, مع الخشية من التسويف وتضارب الأولويات.
لقد انتشرت رسائل الجوال بين أفراد المجتمع مهنئة مباركة محتفلة, لأن القرارات كانت في مستوى الحدث, فتناثرت الخيرات على المواطنين: صغيرهم وكبيرهم, الرجال والنساء, المدنيين والعسكريين, المتقاعدين والمتعاقدين, العاطلين والعاملين, الجامعيين والجامعيات.
في خضم فرحة الجميع هناك فئات من المواطنين فرحت معهم لفرحهم وابتهجت لابتهاجهم, على الرغم من أنها لم تحصل على ما حصلوا عليه من مزايا نقدية أو عينية, لكن هل هناك أحد لم يحصل على شيء في خضم هذه الخيرات التي تتماطر ذات اليمين وذات الشمال؟ نعم هناك من لم يحصل على شيء, حسناً.. من هم هؤلاء؟
أبرز هؤلاء ممن أرى أنه تم نسيانهم في خضم زحمة قرارات الخير من رجل الخير؛ هم الشرائح الثلاثة الرئيسة التالية: الأولى: موظفو القطاع الخاص, والثانية: أصحاب المؤسسات الفردية والأعمال الفردية أو من نطلق عليهم ''المتسببون'', والثالثة: المتقاعدون من القطاع الخاص والتابعون لمؤسسة التأمينات الاجتماعية. ولو نظرنا إلى ما يجمع بين هذه الفئات الثلاث لوجدنا أمراً واحداً يجمع بينهم وهو أنهم ليسوا من الموظفين الحكوميين!!
يا سادة يا كرام هذه الشرائح مثلها مثل باقي موظفي الحكومة, فيهم الغني (وهم القلة) وفيهم الفقراء وهم كثر, فالأغلبية من موظفي القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم رواتب المعلمين أو العسكريين وأذكّر هنا أن الحد الأدنى للموظف في القطاع الخاص هو ١٥٠٠ ريال, أي أقل من مساعدة البطالة التي ستعطى للعاطلين!! كما أن أصحاب الأعمال الفردية والمتسببين هم من يعملون كسائقي أجرة أو معقبين أو بائعي خضرة في الحلقة أو من لديه بقالة أو محل حلاقة ... إلخ, وهؤلاء فيهم من لا يصل ما يحصل عليه في نهاية الشهر إلى ألفي ريال, أما المتقاعدون فحالهم بالتأكيد أسوأ من حال متقاعدي موظفي الدولة قياساً على الفارق بين النظامين.
لكن لا يخفى على أحد أن هذه الفئات الثلاث وغيرهم هم من المواطنين المخلصين لدينهم ولوطنهم ومليكهم, بل على العكس فهؤلاء تكلفتهم على الدولة هي الأقل, فهم لا يحصلون على رواتب من الدولة ولا انتدابات ولا خارج دوام, كما أنهم لا يعالجون في مستشفيات الدولة, كما أنهم لا يستقطعون من الدولة حصتهم في التقاعد, بل الأهم من ذلك أنهم تركوا باختيارهم أو مجبرين وظائف الدولة لغيرهم من المواطنين.
إن إغفال هذه الفئات يرسخ لدى المواطنين بشكل عام والشباب السعودي بشكل خاص, الميزة الكبرى التي يحصل عليها المواطن بصفته ''موظفا حكوميا'', وبالتالي تؤكد النظرة القائمة لدى كثير من الشباب أن الخيار الأول هو ''الوظيفة الحكومية'', فإضافة إلى أنها تمثل ''الأمن الوظيفي'' فهي تمثل الفئوية النخبوية الوظيفية التي تعتلي الهرم التوظيفي للمواطن السعودي وتحصل على مزايا استثنائية لا يحصل عليها موظفو القطاع الخاص.
وبالتالي فإن هذا التغافل غير المقصود يؤصل لما سبق وأشار إليه الدكتور غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ وزير العمل السابق, أن البطالة لدينا ليست حقيقية لكنها بطالة لا تقبل بالعمل في القطاع الخاص وتتهافت على العمل الحكومي وتنتظر فرصتها فيه حتى لو طال الانتظار.
مقالي هذا ليس حسداً لإخواننا موظفي الحكومة, فأسأل الله أن يزيدهم من فضله, لكن كله أمل أن تنظر الدولة إلى هذه الفئات نظرة المعادلة في الميزة, ونظرة العدل في الحقوق, ونظرة المساواة بين الأبناء.
بل قد يكون الواقع عكس ذلك تماماً, حيث إن حاجة المواطن ذي الراتب البسيط (وهو المعوز والمحتاج المدين) أضعاف حاجة الموظف عالي الراتب والمرتبة, وبالتالي فإن الراتب هنا مقياس لا عدل فيه, حيث إن التوزيع من الدولة لم يكن مقابل عمل الموظف في عمله, لكنه توزيع للمواطنين مكافأة على مواطنتهم, والمواطنة يتساوى فيها الغني والفقير والوزير والكاتب والصغير والكبير.
لا أشك في أن العدالة المطلقة لدى الله ــ سبحانه وتعالى ـــ وحده فقط, لكن سددوا وقاربوا, حيث إن إغفال هذه الشرائح من المواطنين وغيرهم قد يوغر بعض الصدور على إخوانهم, على الرغم من القناعة لدى الجميع بأن الملك محب لشعبه ورعيته من دون تفريق أو تهميش لأحد, وعمل ما عمل محتسباً رضا الله أولاً ثم رضا شعبه وأبنائه.
ختاماً إن واجب ملكنا وولي أمرنا علينا أن نبذل له الوسع في النصيحة والدعاء .. أما النصيحة فقد بلغت ــ بإذن الله ــ أما الدعاء فأسأل الله أن يحفظ علينا ملكنا عبد الله بن عبد العزيز وأن يحيطه بالبطانة الصالحة, وأن يسبغ عليه الصحة والعافية والتوفيق والسداد.. اللهم آمين.