نحن والوطن.. ماذا أخذنا وماذا أعطينا؟

يفخر رجل الأعمال الكبير سليمان بن عبد العزيز الراجحي، ونحن نفخر به ومعه، بأنه بدأ حياته من نقطة الصفر - وربما تحتها - انتقل مع والده من القصيم إلى الرياض لطلب الرزق، وكان في ذلك الوقت لم يتجاوز التاسعة من عمره، فجمع في بداية حياته التجارية روث الإبل من أجل بيعه على الناس، وكان الروث في ذلك الوقت يستخدم لإشعال النار وقيمة الكيس ريال واحد فقط، ثم عمل طباخا وعمل حمالا حتى جمع مبلغا يقدر بـ 400 ريال ففتح دكانا صغيرا وجمع مبلغا من المال، عندما طلب والداه منه أن يتزوج وكان في سن الخامسة عشرة باع دكانه وذهب إلى القصيم وتزوج هناك، وأصبح لا يملك شيئا فرحل مرة أخرى ومعه زوجته إلى الرياض/ وبدأ من جديد، حيث عمل لدى أخيه الكبير في مجال الصرافة وانتقل إلى مكة وأصبح يعمل في الصرافة مع الحجاج وتوسع في أعماله ليصبح الآن الرجل الذي نكنّ له كل احترام وحب وتقدير والذي يملك شركات ومؤسسات استوعبت عشرات الآلاف من فرص العمل للسعوديين، وقدم الدعم المادي لكثير من المشروعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية، وقدم للوطن العديد من المشروعات والمساهمات الخيرية التي أسهمت في دعم فقراء ومرضى وأيتام وأرامل. في المقابل، لم يبخل الوطن على سليمان الراجحي وأقرانه فمنحهم مكانة تليق بهم ودعمهم بجميع التسهيلات التي مكّنت شركاتهم ومؤسساتهم من النمو والتطور. ليست قضيتي في هذا المقام هي ما قدمه سليمان الراجحي وأمثاله من رجال الأعمال الشرفاء العصاميين للوطن وما أخذوه. ولكن القصد هنا هو طرح قضية العطاء المتبادل بين شعب ووطن. وللأهمية والإنصاف، فالعطاء لا يتعلق هنا بفئة دون غيرها، فهناك الكثير والكثير من البسطاء الذين أعطوا لهذا الوطن في وظائفهم وفي أنشطتهم وحياتهم اليومية في ظروف قاسية وحياة صعبة، وعندما جاء الوقت ليعوضوا ما فاتهم وينهلوا من الخير والرخاء وجدوا أنفسهم غير قادرين على تعاطي أسباب الرفاهية والمعيشة المتطورة وظلوا كما هم يأكلون ببساطة ويلبسون ببساطة وينعمون ببساطة. هذا السؤال الصادم أوجهه الآن لنفسي ولكل مواطن ولكل شاب سعودي: ماذا قدمت لوطنك مقابل ما أخذته من أسباب الحياة؟ الحقيقة الأولى أن الوطن قدم لنا مستوى معيشة يقارن، بل يفوق مستوى المعيشة في معظم أقطار العالم، الحقيقة الثانية أن متوسط دخل الفرد في المملكة هو من أعلى متوسطات الدخول في العالم، الحقيقة الثالثة أن المواطن السعودي والخليجي بصفة عامة يمتلك من أساسيات الحياة ما يراه الآخرون في أوطان أخرى أحلاما بعيدة المنال (السيارة حلم كبير في الكثير من الأوطان..!!). الحقيقة الرابعة أن طالب العلم والدراسة يجد جامعات ومؤسسات تعليمية تستعطفه بالقول والفعل على تحصيل العلم في الوقت الذي تعاني فيه أوطان من ارتفاع معدلات التسرب والهروب من التعليم نتيجة الفقر وقلة ذات اليد، الحقيقة الخامسة أن جامعات العالم تشهد موجات متنامية من الابتعاث السعودي والتي جعلت نسبة المبتعثين السعوديين للدراسة في الخارج هي الأعلى بين دول العالم أجمع. لن أستطرد في ذكر الكثير من الحقائق لأنها أكثر وضوحا من الشمس في قلب الظهيرة، ولن أتملص من حقيقة أن هناك الكثير والأكثر في جعبة الوطن ما زلنا ننتظره ونتوقعه ونحلم به في عصر تجاوزت فيه توقعات الإنسان حاجز الأرض لتصل إلى عنان السماء. هنا أنا لن أخدر قرائي بعبارة جون كنيدي المشهورة "لا تسأل عما يمكن لوطنك أن يعطيك إياه، بل ما تستطيع أن تعطيه لوطنك"؛ لأن الوطن بالفعل أعطانا الكثير.. ولكن دعني أسألك وأسأل نفسي: هل ما قدمناه للوطن يتناسب مع ما قدمه الوطن لنا، هل نستطيع أن نخدع الوطن ونبيع له وهما يقول: إننا أكثر الشعوب إنتاجا؟ أكثر الشعوب إبداعا؟ أكثر الشعوب سعيا نحو تفعيل قيم العمل والتطور؟ أكثر الشعوب تحقيقا للإنجازات الصناعية والاقتصادية والثقافية؟ أكثر الشعوب حبا لوطنهم وحرصا على وحدته وأمنه ورفعة مكانته؟!.. قطعا لا نستطيع أن نبيع له الوهم؛ لأن الواقع يشهد على أننا وحتى هذه اللحظة نأخذ ونأخذ ونأخذ ولا نعطي إلا الحد الأدنى الذي يسمح لنا بالعيش في هذا الوطن والتمتع بخيراته. إن وطننا يعتبر قبلة العالم.. ومهبط الوحي.. وموطن أرض الحرمين.. وترفع فيه راية التوحيد.. ويحترم فيه العلماء والمثقفون.. ويعلو فيه شأن العلم والقيم الأخلاقية.. وينام على ربع ثروة العالم.. ويحكمه قائد بمثل صفات الملك عبد الله بن عبد العزيز.. لجدير أن يصان بالمهج والأرواح.. ونفديه بالنفس والنفيس.. ونقدم في سبيل عزه ورفعته كل ما نستطيع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي