ملامح مستقبل الطاقة من البيت الأبيض
ذكرت سابقا أن هناك توجها دوليا لا يمكن تجاهله نحو تنويع مصادر الطاقة أو مشروع تحول الطاقة العالمي، الذي يهدف إلى زيادة إسهام الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لأسباب كثيرة منها الموضوعي والمحايد في رأيي، ومنها غير ذلك.
العالم ينمو سكانيا وصناعيا بصورة متسارعة، والتطور التقني زادت أواصر ارتباطه بالذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات ذات الاستهلاك الكثيف للكهرباء، وغيرها، ما يتطلب بطبيعة الحال نموا موازيا في الطلب على الطاقة.
لا يعتريني شك في أن مشروع تحول الطاقة العالمي يتأثر بكثير من العوامل وعلى رأسها العوامل السياسية والاقتصادية، حيث تنعكس هذه العوامل بطبيعة الحال على وتيرة هذا التحول كون المشروع وما يصاحبه من قضايا تغير المناخ والاحتباس الحراري وسلامة الإمدادات معادلة معقدة.
الجدير بالتنويه أن هناك تفاوتا في تعاطي دول العالم مع هذا التحول، كون العوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية والأمنية وغيرها تختلف من دولة إلى أخرى، ما يؤثر بطبيعة الحال في قدرة هذه الدول على التماهي مع هذا المشروع فيما يخص تحول الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية.
هناك أسباب موضوعية في رأيي لهذا الحراك العالمي فيما يخص مشروع تحول الطاقة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تنويع الاقتصاد، والحفاظ على الثروات الناضبة ورفع كفاءة استخراجها واستخدامها، الذي يصب بطبيعة الحال في مصلحة خفض الانبعاثات الذي بات هدفا إستراتيجيا عالميا، وفي المقابل هناك أسباب غير موضوعية تحركها الأجندات، وتؤطرها المصالح ضيقة الأفق.
بقيت أسابيع قليلة على عودة إدارة الرئيس الأمريكي ترمب إلى البيت الأبيض، ولا يمكن تجاهل تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في السياسات العالمية بشتى أنواعها، ومنها سياسات الطاقة العالمية، وكذلك تأثير البيت الأبيض في سياسات الطاقة المحلية في الداخل الأمريكي. إدارة "بايدن" على سبيل المثال، كانت على رأس الدول التي تقود تقويض صناعة النفط والاستثمار فيه، الذي في اعتقادي أن إدارة ترمب ستدفع باتجاه متباين لذلك! أتوقع أن يسعى ترمب جاهدا إلى تذليل العقبات والسياسات التي قوضت إنتاج النفط الأمريكي، وسيدفع بقوة نحو زيادة إنتاج الغاز وتصديره.
أتوقع أيضا أن لعودة "ترمب" أثرا سلبيا في نمو الاقتصاد الصيني، لكن في ظني أن هذا الأثر سيكون أقل محدودية من فترته الرئاسية السابقة، وهذا سيؤثر في الطلب العالمي على النفط كون الصين من أكبر مستهلكي النفط في العالم.
الشرق الأوسط يواجه تحديات جيوسياسية خلال هذه الفترة، إضافة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة، التي قد تنتهي في المدى القصير بسبب عودة ترمب إلى البيت الأبيض، الذي سيتعامل مع الملف الإيراني في رأيي بصورة أكثر حزما بتعميق العقوبات الاقتصادية.
تحديات وتقلبات أسواق الطاقة في اعتقادي أصبحت سمة متلازمة لها، ولدى أوبك بقيادة السعودية رصيد رصين من الخبرات المتراكمة في التعامل مع هذه التقلبات لضبط أسواق النفط، وتذليل الصعاب، ومواجهة التحديات بحكمة وموضوعية.