أفعال اليوم تحدّد أحوال المستقبل
أخذت تتبلور في سماء منطقتنا إرهاصات التحول نحو مرحلة جديدة، سيكتب فيها البقاء لتلك المجتمعات التي تنجح في تجديد واقعها، واستيعاب متطلبات مستقبلها. التطورات الجديدة تشير إلى أن البقاء سيكون لمن يفهم مسارات التاريخ، ويدرك مسوغات مراحل تحولاته الكبرى. ومن يرد أن يعرف حاله في المستقبل فعليه أن ينظر فيما يفعله اليوم، فأفعال اليوم تحدد أحوال المستقبل. وأنا اليوم أكثر تفاؤلا من الأمس! فقد بت أرى أن المستقبل سيكون - بإذن الله - أفضل من الماضي، بشرط أن تستمر جهودنا في التغيير والإصلاح والتطوير لتشمل جميع نواحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وأن تأخذ سياساتنا العامة شكل العمل المؤسساتي الشامل والتغيير الجذري الدائم، وأن نبعد عن الحلول الجزئية، والبرامج الوقتية، والفرقعات الإعلامية. والمجتمعات التي تدرك إرهاصات التحول وتراعي موجبات التطور وتأخذ بسنن التغيير هي التي سيكتب لها البقاء لتأخذ بشعوبها نحو آفاق أرحب من النمو الاقتصادي، والازدهار الاجتماعي، والتقدم الحضاري.
نعم. أنا متفاءل؛ فمن رحم الأزمات يولد التغيير، فعظم التحديات بدأ يدفعنا لتحويل الأقوال إلى أفعال، والأفكار إلى برامج. وهذا ولي أمرنا ما فتئ يشدد في كل مناسبة على أهمية قيام جميع أجهزة الدولة بالمهام الموكلة إليها، وعلى ضرورة تنفيذ أوامره الأخيرة بالجدية والسرعة الكافيتين اللتين تضمنان تعزيز مستوى معيشة المواطنين من خلال توفير الخدمات والسلع لهم بتكلفة تتناسب مع قدراتهم، وتضمن تيسير سبل حياتهم سواء أثناء ممارستهم لأنشطتهم أو عند تكوين مؤسساتهم ومشاريعهم.
أنا متفائل لأنني أمسيت أرى إرهاصات لتحول الإرادات إلى عزائم. فقد أخذنا نبدى جدية في مواجهة قضايانا الاقتصادية الكبرى. أنا متفائل أننا سنضع في يوم قريب استراتيجيات دائمة لمعالجة قضايا البطالة، والإسكان، والتعليم، والصحة، والمرافق العامة. ومتفائل أننا سنسلك المنهج الصحيح لدراسة ومعالجة هذه التحديات الكبرى، بتكليف متخصصين متفرغين وغير مشغولين بأية أعمال حكومية أخرى، لدراستها والخروج بحلول دائمة واستراتيجيات ثابتة خلال فترة زمنية محددة وليست مفتوحة. أنا متفائل أننا سنقتنع أنه لا يصلح أن يتصدى لهذه القضايا مسؤولون حكوميون مشغولون بوزاراتهم وبعضوياتهم في مجالس متعددة. نعم. قد يكون هؤلاء أكْفاء لكنهم يظلون بشرا لهم طاقات محدودة. وهذه القضايا مصيرية تتطلب أن يتفرغ لها من يريد أن يتصدى لها، وإلا سنظل نراوح مكاننا، وسيبقى كل مسؤول يحمل ملفا فيدخل اجتماعا ويخرج من آخر وقد تملكه الإرهاق الذي قد يدفعه للموافقة على قرارات لم يوفيها حقها من الدراسة ولا من الوقت الكافي للنظر فيها بعين المتخصص.
نعم. أنا متفائل وأشعر بأن هذه الروح الجديدة في الإصلاح والتطوير ستجعلنا نهجر أسلوب خطط التنمية القديمة التي لم تجدِ خلال أربعة عقود في بناء اقتصاد منتج متنوع يقوم على الصناعات التحويلية والمعرفية الحديثة بعيدا عن الصناعات الاستخراجية.
أنا متفائل لأننا بتنا ندرك أكثر من أي وقت مضى أن الحياة تقوم على تعاضد جهود القطاعين العام والخاص. متفائل أننا سنرى تغيرا في مفهوم العمل الحكومي، سنرى أجهزة حكومية تعين الناس على أعمالهم وتفهم أن مهمتها خدمة الناس لا التحكم فيهم أو إرهاقهم باسم الأنظمة والتعليمات. سنرى أجهزة تركز جهودها على تعزيز الكفاءة، والإنتاجية، والتوظيف، ونمو الاقتصاد، وبرامج العدالة الاجتماعية. سنرى أجهزة حكومية تعين القطاع الخاص على القيام بواجباته ولا تحاربه في نشاطه. سنرى وزارات حارسة لا ممارسة للنشاط التجاري. سنرى أجهزة تقصر نشاطها على التنظيم والمراقبة، لا التدخل والمماطلة. باختصار سنرى أجهزة تسهل ولا تعوق، تبني ولا تهدم، تعين ولا تعطل.
نعم. أنا متفائل لأننا سنرى أجهزة حكومة ستقوض أركان الفساد، وتزلزل الأرض تحت الفسدة والمفسدين. وسنرى تطويرا كبيرا في الجهاز القضائي في السنوات المقبلة، سنرى مظلة العدالة تنفرد في كل فضاء، سنرى سرعة الفصل في المنازعات. وسنرى قيادات تتصدى للعمل العام فتشعر بنبض الناس، وتتحسس أحوالهم، وتتقاسم معهم همومهم، وتبذل أقصى ما تستطيع لحل مشاكلهم. ومتفائل أكثر لأننا سنرى مسؤولين يهتمون بالفتية والفتيات ويتلمسون حاجاتهم ويهتمون بتطلعاتهم. سنرى قيادات تؤمن أن الاهتمام بالشباب هو اهتمام بالمستقبل، وإننا إن كنا نريد حقا مستقبلا أفضل، فعلينا الاهتمام بهؤلاء الفتية والفتيات فهم (وهن) عدة الغد. إنهم صانعو المستقبل، إنهم المستقبل ذاته! لذا أنا متفائل!