صواريخ النجوم
غريب أمر العالم المتحضر تكنولوجيا الذي يفاجئنا بهذا الكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات التي أوجدت حلولا لكثير من المشاكل الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لكنها لا تزال عاجزة عن إيجاد حلول مقبولة لمشاكل الفقر والجوع والمرض التي تعم مناطق كثيرة من القارة الإفريقية.
وتنفق ثروات طائلة لاكتشاف الكواكب التي تبعد ملايين الأميال عن كرتنا الأرضية في محاولات مستميتة لإيجاد أي ظواهر لحياة منقرضة. وتجوب الصواريخ غور الفضاء وترسو على سطح القمر, فيما تخفق في إيجاد حياة أكثر كرامة لفقراء إفريقيا والعالم. وإن كانت الأبحاث تحاول أن تمسك بأوهن البراهين لإثبات الرطوبة على سطح المريخ ونوعية الصخور في عطارد وتتعامى عن ثروات الأرض الإفريقية التي هي في مرمى حجر مقارنة بالأميال الفضائية.
فصورة إفريقيا تتلازم مع البؤس والعوز والصراعات القبلية وهذا ما يتوافق مع رغبات الطامعين الأقوياء بثروات القارة. فالشعوب الجاهلة والفقيرة والمريضة لا تملك أي حصانة تحميها ممن يرغب في استغلالها.
فحين يتحدث أي باحث عن تلك القارة، فإنه يتحدث عن مدن فقيرة مليئة بالسكان، ومستشفيات مكتظة بمختلف أنواع الأمراض. ولو أن التقارير بدأت تتحدث بخجل عن غنى القارة والاستثمارات الجديدة التي باتت تركز على الموارد الأولية، خاصة النفط والغاز، بعد أن كانت متركزة في الماضي على انتزاع المعادن والذهب والألماس من قلب أراضيها.
ولفترة طويلة كانت القارة السوداء تمثل الحديقة الخلفية للبلدان الأوروبية، وتوجس الأوروبيون كثيراً من دخول الشركات الأمريكية, أوائل التسعينيات إلى غرب إفريقيا. واليوم هناك توجس أمريكي أوروبي مشترك من دخول منافس جديد يتمثل في الشركات الصينية الكبرى، التي بدأت تنافس الشركات الأوروبية في الحصول على امتيازات البحث والتنقيب عن الغاز والنفط. ويستحوذ الصينيون على ربع حجم الصناعة النفطية في أنجولا. والقلق من التنين الصيني مرده أنه يتكلم لغة جديدة مختلفة عن لغة الاستغلال الغربية, فهو يعتمد اتفاقيات الشراكة والتنمية ولا يطرح مشاريعه بأسعار فلكية كما ودخل شريكا في تحديث البنى التحتية كالجسور والطرق والاتصالات اللاسلكية وكذلك الاستثمارات الزراعية.
وستبقى ثروات إفريقيا مهمة للآخرين ممن هم خارج القارة، فخليج غينيا الذي هو الشريط الساحلي المليء بالنفط بين أنجولا ونيجيريا يوصف في التقارير الأمريكية بأنه ''منطقة اهتمام حيوي'', حيث تشير الدراسات إلى أن إنتاج المنطقة النفطي يتعدى أربعة ملايين برميل يومياً وهي كمية تزيد على مجمل إنتاج فنزويلا وإيران والمكسيك. كما تؤكد التوقعات الرسمية الأمريكية أن تستمد الولايات المتحدة نحو 20 في المائة من احتياجاتها النفطية من إفريقيا خلال العقد المقبل، ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى 25 في المائة بحلول عام 2015 وإلى أكثر من 50 في المائة بحلول عام 2050.
وفي مقابل البعثات المكوكية لسبر أغوار الفضاء الخارجي كان الفضاء الإفريقي يستقبل البعثات الهوليوودية, حيث يمتطي نجوم ومشاهير الشاشة الفضية صواريخ الفقر والجوع والمرض في استعراضات العلاقات العامة التي يديرها مديروهم لتلميع صورهم وتعظيم أرباحهم. ورغم الشخصيات الخارقة التي يجسدونها في أفلامهم السوبرمانية التي عادة ما تنتهي بالقضاء على الأعداء ونشر العدالة. تنكمش أدوارهم إلى شخصيات واقعية في السيناريو الإفريقي ذي النهاية المريرة.