الحقيقة المرة حول أرقام البطالة

كنت قد كتبت في هذه الجريدة بتاريخ 3 ربيع الآخر 1432هـ مقالا بعنوان: ''ستبدي لك الأرقام من كان عاطلاً'' تبعاً للأمر الملكي بتخصيص إعانة للباحثين عن العمل, وجاء الأمر الملكي في نصه على أن تقوم وزارة العمل بإعداد دراسة متكاملة عاجلة حول تفعيل إقرار إعانة مالية مؤقتة للشباب الباحث عن العمل لمدة عام واحد من الموارد المالية لصندوق تنمية الموارد البشرية، في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخه. كنا قد طرحنا التساؤل: كم سيكون العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل في المملكة أو الباحثين عن إعانة عمل؟ وكان السؤال الأهم, كيف سيكون العلاج الحقيقي المستدام, بعيدا عن تجاربنا السابقة, التي تكون قد أسهمت في حل بعض المشكلة, لكنها قطعاً لم تحل المشكلة الحقيقية والأسباب الرئيسة لمشكلة البطالة في المملكة.
والجواب عن التساؤل أو السؤال الأول مهم على مستويات متعددة؛ لأنه يأتي في وقت لا يقبل أنصاف الحلول ولا يقبل مداراة المشكلات، ولا يقبل إخفاء الحقائق. إجابة ذلك التساؤل بدأت تظهر من خلال ما ذكره مصدر مسؤول في وزارة العمل الأسبوع الماضي حول أرقام المتقدمين, حيث بلغ عدد المسجلين من طالبي إعانة العمل على نظام (حافز) أكثر من 1.9 مليون (أكثر من مليون و900 ألف) متقدم! ويتوقع له أن يتجاوز مليوني متقدم, وإن كنت أرى في تصريح المصدر المسؤول جانبا إيجابيا من ناحية الشفافية في نشر تلك الأرقام، وإن كانت مخيفة بعض الشيء أو صادمة, لكن مرة أخرى حسب المصدر المسؤول, في حين أنه بحسب آخر إحصائية صدرت قبل عام عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات ووزارة الاقتصاد والتخطيط، يذكر أن عدد العاطلين وصل إلى 448.547 فردا, وكانت إحصائيات قد ذكرت بعض الأرقام الصادرة عن وزارة العمل قبل عدة سنوات تقريبا أن العدد الحقيقي للمتقدمين للوزارة بلغ 180 ألفا فقط! واليوم الرقم الذي أوردته الوزارة نفسها بلغ عشرة أضعاف ما ذكرته سابقاً! والعدد بلا شك قابل للزيادة والنقصان حسب معطيات كثيرة ومعايير متعددة للوصول إلى تعريف محدد لمعنى الباحثين عن عمل أو العاطلين عن العمل, أو مطاطة حسب الأهداف التي يراها القائمون على (حافز). وهنا أطرح التساؤل الجديد حول تفاوت الأرقام الصادرة عن الجهات ذات العلاقة بمشكلة التوظيف أو البطالة, لنجد أنفسنا أمام أرقام جديدة كل عام، وأمام كل قيادة إدارية جديدة لتلك المنشآت, ويمتد السؤال ليشمل قطاعات مختلفة وحيوية وذات علاقة مباشرة بالمواطن ومصلحة الوطن عند الحديث عن أرقام أو إحصائيات, وهنا لا بد لنا من وقفة حول من يؤكد أو يثبت حقيقية أي أرقام أو إحصائيات تصدرها جهات حكومية, ومنها أرقام البطالة, التي ذكرنا مثالا على اختلاف الإحصائيات من جهات مختلفة في القطاع الحكومي أو حتى من جهة واحدة كوزارة العمل خلال السنوات الماضية. أين دور مصلحة الإحصاءات العامة في إحصائيات برنامج حافز؟ وأي أرقام سنعتمد عليها عند رسم الاستراتيجيات المستقبلية في مشكلة البطالة وخلق الوظائف؟ وما التناغم بين (حافز) وزارة العمل و(جدارة) وزارة الخدمة المدنية؟
وعند الحديث عن العلاج المستدام لمشكلة البطالة وخلق الفرص الوظيفية, الموضوع يطول ليشمل استراتيجية وطنية واضحة المعالم لا تستأثر بها وزارة معينة قد تكون هي الخصم والحكم في الوقت ذاته, أو قد تكون جزءا من المشكلة, ونتوقع منها أن تكون صاحبة الحل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي