قن الدجاج

لا شك أن عولمة الجمال استطاعت أن ترفع مبيعات المساحيق وعمليات التجميل وأدوية التنحيف؛ مما سيجر حتما أرباحا في سوق الأزياء التي تربط بين المحافظة على الجمال والرشاقة وضرورة تغيير الموضة باستمرار لمن ينشد الطلة البهية المتجددة، حتى الأدوات المنزلية صارت فيها موضة..
لكن من المستغرب أن نجد في كل مجلة نسائية أو أي برنامج تلفزيوني مخصص للمرأة، زخم الإعلانات، عما لذّ وطاب من أصناف الحلويات والشوكولا بأنواعها على نفس صفحات المقالات التي تتحدث عن تخفيض الوزن والحمية، أو بعد كل عرض مرئي أو إذاعي؛ لأن إثارة شهية العين والأذن ستترجم إلى زيادة استهلاك الطعام، والتي سيلحقها محاولات للتخلص مما علق بجدران المعدة والشرايين من شحوم ودهون بكل السبل المتاحة. بدءا من الوصفات إلى الرياضة، مرورا إلى حبوب وكريمات التخسيس، وصولا إلى عمليات الشفط. وأهم حيلة لإدخال النساء إلى هذه السلسلة من الركض المتتابع، هو درجة النجاح في استفزازهن بصور عارضات الأزياء النحيلات اللواتي تناسبهن فساتين الماركات والحقائب الجلدية والمجوهرات الألماسية. وتركز معظم صفحات مجلات النساء الشهيرة حول العالم، على التقنيات المتنوعة في نحت الجسم وتخليصه من شحومه ودهونه. ولكن إن كانت تلك النصائح الخيالية تنفع فهذا يعني أن المشكلة ستحل من جذورها. وبالتالي، فإن المنتجات المعلنة لن تباع ثانية وهنا نستنتج أن هؤلاء المنتجين لن يقوموا بحل المشكلة نهائيا، بل على العكس، هم يسعون لزيادة مبيعاتهم من استغلال خطة التعارضات والمتناقضات التي تزيد أصفار الإيرادات، بسبب الشعور العميق بالذنب الذي من شأنه أن يخلق عددا هائلا من المستهلكين والزبائن لتلك المنتجات. فهؤلاء النساء يحاولن تعويض عدم رضاهن عن أوزان أجسامهن بشراء كل ما تيسر من الموديلات الجديدة ومع استمرار الفشل في الوصول إلى المقاييس الخيالية تضمن الشركات مشاعر النقص، وهو الأمر المربح لجميع المنتجات التي تعرضها المجلات والتلفزيونات. ويتملك الإحباط والكآبة تفكير المتفرجات، الأمر الذي سيجرهن بشكل حتمي إلى الاستهلاك المتزايد للأغذية عالية السعرات الحرارية، وللملابس التي تعد بأن تجعل الشخص يبدو نحيلا، إضافة إلى الكثير من المنتجات التي تخادعنا بأنها قادرة على إنقاص الوزن.
وبطبيعة الحال، فقد بُذل جهد كبير في إعادة برمجة الكثير من النساء لتحويلهن إلى كائنات غير راضيات عن أشكالهن عن طريق إقناعهن بأن الحل هو في السطوة الاجتماعية. أي أن شراء الملابس الغالية العالية الجودة قادر على إبهار الناس، وبالتالي يزيد من مكانة الشخص في مجتمعه.
وفي جعبة الشركات استراتيجية أخرى تدعى قن الدجاج، الذي يتكدس متلاصقا على الأرفف وهو معدوم الحركة، يتلقى أكله وشربه بانتظام ولا يطلب منه أن يأتي بأي مجهود للبحث عن رزقه أو التريض في الهواء الطلق. باعتبار أن الغرض من إراحته هو التسريع في تسمينه وجني الأرباح من لحمه المدهن. لكن إن كان الدجاج لا يفكر، وهو بطبيعة الحال لا يشعر بالاكتئاب من سمنته، فإن الإفلاس الفكري قد وصل ببعض الناس إلى أن يعلنوا استسلامهم في التحكم بمعدتهم، وأخفقوا في ترويض إرادتهم أو ضبط كمية ونوعية ما يأكلونه يوميا، وفضلوا أن يتم إطعامهم على طريقة الدجاج، لكن من دون تسمين. فقوى الصناعة استطاعت أن تتحايل في هذا المجال وقدمت نفسها بديلا لإرادة بعض الناس وتولت حشوهم يوميا بصناديق غذائية مدروسة السعرات الحرارية، تحقق لهم الأماني بالأجسام الباربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي