تسونامي الجمعيات الخيرية!
تتكئ المنظمات الخيرية باختلاف أنواعها على رصيد كبير من الثقة الفطرية التي يمنحها إياها أفراد المجتمع، فالناس عادة يحملون كثيراً من الاتجاهات الإيجابية تجاه المنظمات الخيرية والعاملين فيها، وهذا لا يقتصر على مجتمعنا فقط بل تكاد تكون ظاهرة عامة في كثير من المجتمعات، والدراسات العلمية المتواترة تشير إلى أن الناس يثقون بالمنظمة الخيرية أكثر من ثقتهم بالمنظمة الحكومية أو التجارية.
لكن هذه الثقة يجب ألا تؤدي إلى استرخاء القائمين على المنظمات الخيرية أو الشعور بعدم المبالاة لأثر بعض التصرفات الخاطئة التي تحدث داخل المنظمة الخيرية أو خارجها، لأن الثقة كسطح الكرستال حساس، وتصعب معالجة الخدوش التي قد تحدث فيه.
المراقب اليقظ لأخبار الجمعيات الخيرية في السعودية يستشعر بشيء من القلق أن حوادث متكررة في السنوات الخمس الأخيرة تشير إلى خلل في تصور قلة من القائمين على المنظمات الخيرية لطبيعة علاقتهم بمال المنظمة الخيرية، وحدود صلاحياتهم للتصرف فيه.
في عام 1430 طفت على السطح قضية استخدام إحدى الجمعيات الخيرية تبرعات عامة للدخول في مضاربات مالية مع شركة مساهمة، مع أن البند الثاني من لائحة الجمعيات الخيرية ينص صراحة على عدم جواز دخول الجمعيات الخيرية في مثل هذه المعاملات المالية، حفاظاً على المال العام.
ومنذ أسابيع منحت جمعية خيرية صغيرة ومحدودة الموارد المالية راتب شهرين لموظفيها محاكاة لمؤسسات القطاع الحكومي، ولم تفسر هذه الجمعية مصدر هذه الرواتب، والتفسير الأولي هو أنها صرفت هذه الرواتب من أموال التبرعات، وهو الشيء الذي لا تملك الجمعية الخيرية حق صرفه في غير الوجهة التي أرادها المتبرعون إلا بإذن منهم.
وقبل أيام فقط سلطت بعض الصحف المحلية الضوء على قضية صرف إحدى الجمعيات الخيرية لبعض مخصصات المتضررين من سيول جدة على بعض المتطوعين معها.
لا يهدف هذا المقال لا من بعيد ولا من قريب إلى تشويه سمعة المنظمات الخيرية في السعودية، ولكنه بكل تأكيد يحذّر من أن نظرية (التفاحة الفاسدة) قد تجري على القطاع الخيري بأكمله والدعوة موجهة مع كل التقدير والاحترام إلى القائمين على المنظمات الخيرية بأن يبذلوا مزيداً من الجهد للارتقاء بالممارسات المالية والإدارية داخل أروقة منظماتهم الخيرية بالصورة التي تحافظ على سمعة القطاع الخيري بأكمله وثقة المجتمع بمنظماته.
إن حدوث اهتزاز في الثقة بين الناس والجمعية الخيرية جدير بأن يسبب مع الوقت "تسونامي" من الشك والريبة يجتاح القطاع الخيري بأكمله، مما يتطلب جهوداً مضنية لإعادة إعماره من جديد.