من الرشوة إلى الثلج

ذكرت الوثائق التاريخية الأمريكية التي نقلها الكاتب جون جوردون, أنه لم يكن بإمكان المستعمرات الأمريكية الشمالية أثناء الاحتلال البريطاني أن تزدهر, وتوصل أمريكا إلى ما هي عليه لولا نشاط الرشاوى، لأن قوانين البحرية في بريطانيا في 1650, تنص على أن السلع الأوروبية التي تستوردها أمريكا, يجب أن تمر عبر الجمارك الإنجليزية, حيث نصت التشريعات أن تُستورد فقط البضائع التي لا تنتجها مصانع إنجلترا لحماية المنتج الإنجليزي من الكساد. كما وضعت قيودا متزايدة على التصنيع الأمريكي لحماية صناعاتها الداخلية. وكانت تمنع بناء المصانع والمطاحن الجديدة. لكن القوانين البريطانية لم تكن تنفذ بصرامة, واستطاع أولاد العم سام تهريب بضائعهم, التي اخترقت الحظر, عبر الموانئ الأمريكية بسبب الرشى التي كانت تدفع للمكلفين بتنفيذ التشريعات الإنجليزية. واعتبرت الوثائق أن الأمر كان تكتيكا ضروريا, تم اللجوء إليه في المكان المناسب وفي كل الأحيان. الأمر الذي أشعل ثراء مراقبي الموانئ حينها.
لكن من ضمن أكثر البضائع غرابة التي انطلقت من بلاد الأمريكان, "بضاعة الثلج". وكان أشهر من استعمل الثلج في أوروبا في الزمن السحيق, أثرياء روما القديمة. وكان يجلب لموائدهم في سلال من جبال آبينينيس ويتم الاحتفاظ به في حفر تحت الأرض ويعزل بالقش. لكن أن يتم إدخال الثلج إلى بلدان لم تعرفه من قبل هو ما كان مفتاح الثروة للشخص الذي اخترع الفكرة.
المبادرة أطلقها الأمريكي فريدريك تيودر في 1806 عندما شحن 80 طنا من الثلج على متن سفينة مستأجرة من بوسطن باتجاه جزر المارتينيك. لكن التاجر لم يكن قد تعلم كيفية بعد, حفظ الثلج في بلاد لم تتعامل سابقا مع تلك السلعة, واعتبرها السكان أعجوبة للمشاهدة فقط ولم يدروا حينها كيفية استعمالها.
وطوال العقود الثلاثة التالية كافح تيودر ليتعلم منحنى تجارة الثلج. فأنشأ بيوت الثلج في الأسواق المحتملة وعلم زبائنه المحتملين طريقة العزل باستخدام نشارة الخشب، التي كانت ترمى في مجرى الأنهار وكثيرا ما تسببت في انسدادات. لكن مع رواج تجارة الثلج أصبح الشوال منها يباع بـ 2.5 دولار. وكان الثلج يقطع من بحيرات نيو إنجلندا, باستخدام أدوات خاصة, وينقل لبيوت ثلج أكبر على الساحل. وأصبح سلعة تصدير أمريكية مربحة للغاية ووصلت السفن إلى مناطق حارة جدا حتى كلكتا عاصمة بريطانيا الهندية المعروفة بحرارتها المرتفعة.
ويبدو أن غرام الأمريكيين بالمشروبات المثلجة والحلوى المجمدة له ما يبرره الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي