الأسعار.. الأسعار يا وزارة التجارة!
المتابع لصحيفة ''الاقتصادية'' طوال الأسبوع الماضي وما قبله يلاحظ أن الصحيفة تُنظّم حملة صحفية ترمي إلى محاربة الغلاء، ودعم مستويات عادلة من الأسعار في الأسواق السعودية.
وفى إطار حملتها الصحافية الموفقة نشرت الصحيفة في صدر صفحاتها الأولى في الأسبوع الماضي خبرا رئيسا، جاء فيه إن جهاز التنمية السياحية في منطقة الرياض التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار ألزم وحدات سكنية مفروشة بإعادة المستحقات المالية لنزيل ثبت ارتفاع سعر فاتورته عن الحد الأعلى للأسعار، ونشرت الهيئة رقما مجانيا للإبلاغ عن المخالفات في الأسعار من قبل الفنادق والشقق المفروشة.
ومن ناحيتهم، فإن بعض الاقتصاديين ينادون بتأسيس مؤشر مستقل لأسعار الواردات؛ بغرض ضبط وقياس التضخم الخارجي؛ حتى لا يتحجج بعض التجار بأن الزيادة في الأسعار هي زيادة وافدة إلى السوق السعودية وليست نابعة من السوق، ونعرف جميعا أن المملكة ليست دولة صناعية وتستورد حاجاتها من الأسواق الخارجية بكميات كبيرة؛ ولذلك فإن أي زيادة في أسعار السلع المستوردة ستظهر في أسواق المملكة.
ونحن نغتنم هذه الفرصة لنشيد بالحملة الوطنية التي اضطلعت بها مطبوعة إعلامية وضعت المصلحة العليا للوطن والمواطن في صلب عملها المهني والصحافي، وتاليا فإننا نشكر جهاز الرقابة في الهيئة العامة للسياحة والآثار الذي يسعى إلى دعم السياسة السياحية من خلال محاربة الغلاء ومنع زيادة الأسعار غير المبررة.
ونستطيع أن نؤكد أن هذه الجهود جميعها تصب في قنوات مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الهادف إلى محاربة الغلاء ورفع مستوى معيشة المواطن وتوفير الحياة الرخية والكريمة لكل إنسان سعودي يعيش فوق أديم هذه الأرض المباركة الطيبة.
شيء جميل أن تتضافر كل الجهود من أجل دعم سياسة استنتها الحكومة لمصلحة المواطن في أي مكان من هذه المملكة الفتية.
ومن جهتنا، نهيب بالتجار وأصحاب المحال، بأن يكون لهم دور إيجابي في الجهود الرامية إلى محاربة الغلاء، وقبل ذلك نهيب بكل مواطن من موقعه بألا يخرج عن السياق ويرفع الأسعار دون مبرر اقتصادي أو موضوعي.
وبالنسبة للجهات التي لها وظيفة رقابية، فإننا نرجو أن نرى لها دورا إيجابيا لمنع ارتفاعات الأسعار في السوق السعودية، ولا سيما أن المليك المفدى أصدر أمرا بتأمين 500 وظيفة رقابية شاغرة لوزارة التجارة، ونحو 60 وظيفة شاغرة لديوان المراقبة العامة، وإذا كانت السوق العالمية، وبالتالي المحلية ستشهد في الشهور القليلة المقبلة، إن لم يكن في الأيام القليلة المقبلة، موجات من حمى ارتفاعات الأسعار في كل السلع والخدمات، فإن أجهزة الرقابة في السعودية يجب أن تستعد لمواجهة شرسة مع الغلاء الذي إذا ترك فإنه سيلحق أضرارا فاتكة في الاقتصاد الوطني ويؤثر بقوة في الشرائح الفقيرة للمجتمع.
وإذا كانت عمليات تسكين هذه الوظائف تحتاج إلى وقت، فإن الحاجة الماسة تتطلب طي الإجراءات وتعيين المراقبين في أقرب وقت ممكن؛ لأننا في حالة طوارئ إزاء موجات ارتفاعات الأسعار التي بدأت تتسلل في سباق حثيث إلى الأسواق المحلية والخارجية.
ولا شك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حينما أمر بتوظيف كوادر مراقبة الأسعار وإنزالهم إلى الأسواق إنما كان يشعر بأن الأسواق المحلية كغيرها من الأسواق ستتعرض لموجات من سونامي ارتفاعات الأسعار، وإذا تُركت ارتفاعات الأسعار تغزو جيوب المواطنين فإنها ستؤثر سلبا على المميزات التي كان يتوخاها خادم الحرمين الشريفين من حزمة الأوامر الملكية التي كانت تهدف إلى رفع مستوى رفاهية المواطن.
ونحسب أن إنزال كل وسائل الردع لكل من تسول له نفسه الإضرار بالاقتصاد الوطني من أهم أسباب تأديب الجشع في بعض التجار الذين ينتهزون الفرص ويمارسون سياسة رفع الأسعار بغرض استغلال الأزمات لتحقيق أرباح انتهازية تلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني، ولكن إذا كان الردع بالنشر مهم لمنع التجار من زيادة الأسعار، فإن الثناء بالنشر لكل التجار الذين قابلوا ارتفاعات الأسعار بتثبيت الأسعار وممارسة أقصى درجات النزاهة والشفافية أمر ضروري للغاية.
وندرك تماما أن الأوامر الملكية أدت وستؤدي إلى تنامي القوة الشرائية للإنسان السعودي، وطبعا سيؤدي هذا إلى زيادة في المستوى العام للأسعار، كما أن زيادة الإنفاق الحكومي المتزايد على تنفيذ المزيد من مشاريع التنمية مع ضخ مليارات الريالات في صناديق التنمية، إضافة إلى زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي، كل هذه الجرعات السخية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة في المستوى العام للأسعار.
والمؤسف أن الغرب يبرر زيادة الأسعار في الأسواق العالمية إلى زيادة أسعار النفط، على الرغم من أن السعودية قامت في كل المناسبات بتغطية النقص وزيادة إنتاجها من النفط لتعويض السوق العالمية عن غياب جزء من النفط بسبب الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
إن الهجمات المنتظرة لمجموعة من الموجات التضخمية التي ستضرب الاقتصاد الدولي في المستقبل القريب وستؤثر سلبا في كل الاقتصادات المحلية تحتاج إلى موقف جاد وقوي من المنظمات الدولية، أمّا الاكتفاء بالتبشير بهذه الموجات دون تحريك ساكن، فإن هذه الموجات ستلحق أضرارا بالغة بمعدلات النمو في الاقتصاد الدولي، ومع الأسف لم نسمع عن دور لكثير من المنظمات الدولية التي تتواجد بقوة في حالات الرخاء، أمّا في الأزمات فإن أدوارها تختفي وتكتفي فقط بالتبشير بهذه الأزمات وكأنها منظمات أرصاد لمناخ الاقتصاد الدولي.