عمل خيري .. بلا وجهاء!

للأمير والوزير والتاجر والشيخ وغيرهم من وجهاء المجتمع حق في المشاركة في العمل الخيري كما هو حق لبقية أفراد المجتمع من مختلف شرائحه، بل إن وجود وجهاء المجتمع في ميدان العمل الخيري في كثير من الظروف هو دعم لمسيرته وتشجيع لممارسته، إلا أن أحد التحديات التي تواجه تشكّل العمل الخيري المؤسسي في أغلب دول المنطقة العربية حالياً هي ذاتها ما واجه بعض الدول الأوروبية إبَّان نشأة القطاع الخيري قبل مئات السنين، وهو أن ينحصر العمل الخيري بين من كان يُطلَق عليهم طبقة النبلاء وعِلْية القوم. وتداعيات مثل هذا المشهد في مستقبل الزمن أن تشعر بقية شرائح المجتمع من عامة الناس بأن ليس لهم الحق في تكوين منظمات خيرية بلا سند من وجيه أو عضد من نبيل، أو أن ينتشر مفهوم خاطئ بين الناس بأن عملا خيريا بدون وجود بعض الوجهاء غير حري بالثقة والدعم.
صحيح أن هناك فوائد من وجود أسماء بعض الوجهاء في خريطة المنظمة الخيرية كتسهيل العلاقات الخارجية والدعم المالي وجذب الاهتمام الإعلامي، إلا أنها فوائد ذات مدى قصير، أما على المدى البعيد فإن ذلك قد يولد سلبيات من شأنها إعاقة نمو عمل خيري ناضج وتهديد الرسالة الخيرية المستقلة لمنظمات القطاع الخيري؛ بحيث يتحول من عمل خيري يعكس نوايا وأهدافاً تطوعية نبيلة لمؤسِّسيه ويسد حاجات أفراد المجتمع إلى عمل شبه خيري يعكس رغبات تلك الشخصية الوجيهة ويراعي ميولها ويدور حول رحاها.
إن من فلسفة العمل الخيري أن يكون حقاً مشاعاً لشرائح المجتمع كافة؛ يتساوون في القدرة على إنشائه وإدارته وقيادته، لا أن يعتمد على شريحة دون أخرى. كما أن طريقة التقييم الصحيحة لدعم المنظمات الخيرية مادياً ومعنوياً من قِبَل مؤسسات المجتمع ووسائل الإعلام ينبغي أن تعتمد على رسالة المنظمة الخيرية وتميُّز أهدافها وجودة أدائها، بدلاً من اعتمادها على درجة لمعان أسماء الشخصيات التي تقف خلف المنظمة الخيرية.
لم ينطلق العمل الخيري في الدول المتقدمة ويزدهر إلا بفعل عدة عوامل، كان من أهمها تجاوزه محيط شريحة النبلاء وتغلغله بين بقية شرائح المجتمع المختلفة وعامة الناس، حتى أصبحت المنظمات الخيرية هناك بأرقام فلكية وخدمات غاية في التنوع.
إننا بحاجة إلى توازن في النظر إلى هذه القضية، توازن لا يمنع محبي الخير من وجهاء المجتمع المشاركة في العمل الخيري، وفي الوقت ذاته لا يجر العمل الخيري إلى ظاهرة نخبوية تحجب بطريقة غير مباشرة حق عامة الناس من المشاركة في هذا النوع من الأعمال، توازن يستثمر حب بعض الوجهاء للخير ويحفظ لمنظمات القطاع الخيري روحها التطوعية واستقلاليتها الخيرية، بعيدا عن نفوذ أهل الجاه والمال والمنصب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي