التغيير الناعم وتصرفات النخبة

نعيش اليوم مخاضا حقيقيا بدأت خيوطه تنسج بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) في عام 2001 عندما دكت طائرات العمق الأمريكي، حينها بدأنا نشتم ونتحسس التغيير القادم في عالمنا العربي والإسلامي، والذي جاء بالإكراه من قبل الحكومات الغربية في سبيل صهر الأمة وتغيير مفاهيمها بقوة السلاح، وهو ما ظهر بشكل احتلال أفغانستان ومن ثم العراق. لقد نتج عن خطوات التغيير تلك مظاهر عدة كان أبرزها ارتفاع سقف الحريات في العالم العربي إلى حد لم يعهده رجل الشارع وقبله الحكومات ورجالها وخفت حدة الأحادية المتمثلة بالحزب الواحد والإعلام الواحد والتوجه الواحد المؤمن بفكر (لا أريكم إلا ما أرى).
لقد بذلت الحكومات الغربية وبالأخص الولايات المتحدة بقيادة حزبها الجمهوري، الذي يؤمن بالقوة كأداة رئيسة فاعلة للتغيير، جهداً مضنياً لإحداث تشكيلات وقولبة جديدة في المنطقة في سبيل دفع الشباب إلى التفكير بالحياة بدلاً من الموت، وفي الحرية عوضاً عن الكبت، والذي سيضمن لها كدول غربية أن تعيش بأمان وبعيدا عن الاستهداف الأصولي. وكانت هذه السياسة على وشك النجاح المطلق لو لم تتوقف عجلة القطار على ضفاف نهري دجلة والفرات، حيث تحطمت الأشرعة الأمريكية هناك وبدأ النزيف الذي كان يفوق قدرة الشعب على غض الطرف عنه، فترجل الجمهوريون من صهوة جوادهم حتى لا تغرق السفينة وعندها تحطمت الصورة النمطية الرائعة في مخيلة العالم الغربي قبل العربي عن أمريكا على وقع الجرائم التي ارتكبت في العراق تحديدا، وكان لا بد حينها من خطوة استثنائية لمواجهة التغير الاستثنائي والعدائي تجاه الولايات المتحدة في كل أنحاء العالم، وهو ما حدث حين دخل الرجل الأسود ليتسيد البيت الأبيض في خطوة مذهلة وغير مسبوقة منحت جرعة من إعادة الثقة، حينها جاء دور الديمقراطيين للعودة في حملة أخرى للتغيير وصهر العالم العربي، ولكن هذه المرة بطريقتهم الخاصة الناعمة التي يجيدونها بعكس أسلافهم، حيث عملوا على فرض الديمقراطية من الداخل بعيدا عن السلاح لتكون (بيدي لا بيد عمرو) من خلال دعم الثورات الشبابية ودفع التحولات الجديدة من خلال وسائل مختلفة على رأسها الإعلام، حيث يتضح جلياً الإيعاز لبعض الوسائل الشهيرة بتغطيات استثنائية وغير مسبوقة لأحداث بعينها.
اليوم ونحن نشاهد موجة التغيير التي تضرب أطناب المنطقة تعتصر قلوبنا ألما لما نشاهده من تيارات الحرس القديم في الحكومات العربية التي جبلت على الذل والانكسار وإظهار الخنوع للحاكم للفوز بقربه وبما يسكن جيبه من مال. كنا نعتقد أن النخبة هم أكثر الشعوب ثقافة وانفتاحاً وأقلها نفاقاً، ولكن خاب ظننا بهم وأثبتت الأحداث الأخيرة عكس ذلك تماماً. فما ظهر من المقربين من كل قادة الحكومات التي سقطت والتي على وشك السقوط وعلى رأسهم الوزراء والنواب وممثلو الشعب، أمر يبعث على الإحباط حين سقطت ورقة التوت. هؤلاء الذين يرزحون تحت وطأة الأحادية ويغرقون في الظلام رسموا لنا صورة قاتمة أكثر مما كنا نتصور عن الدائرة المغلقة بالحاكم حتى علمنا لماذا (هرمنا)، ولم تتغير تصرفات الحكام لعقود من الزمن ودامت السياسة كما هي منذ تسلموا دفة القيادة.
لقد شاهدت مع الأسف تصرفات من يعتقد أنهم النخبة في ليبيا وسورية الذين هتفوا بحياة الرئيسين وقاطعوا خطاباتهم بأسلوب مقيت كنا نعتقد أنه اندثر تماماً ولم تعد له قائمة. كيف بدا لنا ممثلو الشعب بهذا المنظر المؤسف الذي يعكس صورة خاطئة عن بقية الرعية المغيبين عن ساحة صنع القرار، لقد كنت أعتقد أننا نستطيع أن ننافق بطريقة احترافية لا سمجة كما أظهرته لنا شاشات التلفزة وأننا أذكى من ذلك بمراحل.
حاولت حينها إسقاط هذا الواقع المرير على إحدى الدول المتقدمة ولكنني لم أستطع إكمال المشهد لأنني تذكرت أن من يقبع هناك تحت قبة البرلمان أو مجلس الشعب أو ما شابههما من علية القوم علماً وثقافةً وإخلاصاً وتذكرت حينها أنه لا حاجة لمهادنة الرئيس لأنه لا يملك مفاتيح خزانة البنك المركزي ولا يمكن أن يخافوا منه لأن هناك من سيحاسبه إذا أخطأ ولأنه لا يملك أجهزة أمن واستخبارات لديها الحل الأمني لكل شيء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي