تدليك القارئ

نشرت جريدة الـ"نيويورك تايمز" الأمريكية دراسة حول الأساليب التي تتبعها بعض المجلات الاجتماعية والاقتصادية المشهورة لجذب انتباه جمهور القراء، وتلجأ الشركات التجارية إلى دراسة أوضاع زبائنها المستهدفين وقدرتهم المالية وأعمالهم وطموحاتهم والمحفزات التي ترضيهم. وهذا الأمر ينطبق كذلك على المنشورات والمطبوعات، فهي تستميت للحصول على أوفر قدر من المعلومات عن القراء، من ملكية منازلهم وكيفية إنفاقهم، وماذا يلبسون ويأكلون، وكيف يمضون عطلاتهم، والكثير من التفاصيل الأخرى. أي أنهم ببساطة يضعون قراءهم تحت مجهر الرقابة والتحري، بحيث لا تلفت منهم أي ثغرات قد يتسلل منها المنافسون. وبطبيعة الحال فعلى المجلات أن تروج لنفسها أولا لتكون قادرة على جذب المعلنين. واعتبرت الدراسة أن الطريقة المتبعة، هي عبارة عن فبركات إعلامية تفصل الأخبار على مقاس القراء، ولا تراعي كثيرا المصداقية. أي بمعنى دغدغة المشاعر أو تدليك فكر القارئ بتصويب الأخبار في الجهة التي تناسب أوضاعه وتراعي ظروفه المعيشية.
وتناولت دراسة الصحيفة الأمريكية، عددا من المجلات الاجتماعية المشهورة وطريقة تعاطيها مع أخبار المشاهير، من حيث انتقائها للافتتاحية أو المقدمة المناسبة لشريحة زبائنها من القارئين. فالمجلة التي غالبية قرائها من المتزوجين مرتفعي الدخل حاملي الشهادات العليا، يحبون سماع قصص فانتازيا الطبقة الراقية. ولذلك فهي تعرض لهم القصور الفخمة التي يشغلها أزواج المشاهير، وطرقهم "المثالية" في العناية بأولادهم و"فلسفتهم" الحياتية. فالأمر لا يتعلق بما يفعله النجوم حقيقة، بل بما يرغبه القارئ، لأن الأمر مختلف عندما نطالع نفس أزواج المشاهير، في مجلة تتوجه إلى المتزوجين من الجيل الشاب من أصحاب الدخول المتوسطة، ولا يتمتعون بفوائض كبيرة من الأموال. ولذلك فإن التركيز يكون على القيم الوفية والعاطفية لدى الطبقة الوسطى، وعلى تطلعاتهم، فيما يتعلق بجمع المال وتحسين مستويات المعيشة. وفي هذا الإطار تكون الافتتاحية عن الأجواء الرومانسية، التي تخيم على الزوجين الشهيرين، وكيف يقضيان الأوقات مع الأصدقاء، ومن أي المحال يختاران الملابس والمجوهرات. كما لا تغفل المجلات أن تمد قراءها من أصحاب الأحلام الوردية، باستعراضات أصناف الطعام والمقتنيات التي تم شراؤها في الأسفار المكوكية. بينما المجلات التي تتوجه للعازبين ذوي الدخل المنخفض فهي تتحدث عن بعض المصاعب المالية والنفسية التي يمر بها هؤلاء النجوم. فالمجلة تراعي نوعية الحياة التي ينتمي إليها قراء الشريحة الأخيرة في مواجهتهم للمصاعب اليومية، والتظاهر أنها تفهم مشاكلهم، ولذلك هي تتعرض لمشاكل المشاهير. وفي المقابل، عندما ذهبت الدراسة إلى المجلات المختصة بعالم المال والأعمال. وجدت أن العنوان العريض الذي يسيطر على توليفة الأخبار، هو الهيمنة وفرد العضلات. فالمنشورات التي تغطي مجالات التجارة والبنوك والصناعة، تعلم مسبقا أن قراءها يمتلكون وجهة نظر عدوانية متسلطة. وهي تعكس شخصيات تركز حياتها على العمل والتنافس، ويعنيها الصعود للأعلى بأسرع ما يمكن. وقد انتقد الفيلسوف الأمريكي هيربيرت ماركوس مدى المواصفات الاستبدادية لرجال الأعمال التي تتبناها طريقة التقديم، إلى درجة تحويلهم إلى ما أطلق عليه "بظاهرة المضاف إليه التصريفي" مثل: مايكروسوفت بيل غيتس، لاكشمي ميتال عملاق الصلب، فالشخص بهذه الطريقة يصبح مملوكا أو ممتلكا. وتنتهج تقارير المجلات من ذلك الصنف، التلخيص الشديد وتقدم حساء من الأحرف الأبجدية، التي تمثل أوائل الكلمات لاسم منظمة أو شركة أو حلف أو جمعية أو وظيفة فتكون المعاني المختصرة مفرطة في التبسيط. (IBM , S&P, HP,CEO,CFO).
الأدهى أن الإفراط في استخدام تلك المختصرات لا يعدو عن كونه تقنية استغلالية. يمكن وصفها بتجرد بأنها تملص أنيق من تثبيت مفاهيم كالشركة أو المنظمة أو الاتحاد. وهذا يغيب التفكير النقدي، ويفرض وجود هؤلاء الناس وشركاتهم كطغاة ومسيطرين على مجالات الأعمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي