تكلفة الإصلاح في عُمان مقدور عليها ومفيدة

يبدو لنا أن تكلفة المشروع الإصلاحي لمعالجة تداعيات الأحداث التي مرت بها عمان مقدور عليها من جهة، ومفيدة من جهة أخرى. فحسب درويش بن إسماعيل البلوشي، وهو الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، تبلغ تكلفة المشاريع المتنوعة نحو 2.6 مليار دولار.
حقيقة القول، يعد هذا الرقم لافتا؛ كونه يشكل نحو 12 في المائة من مجموع النفقات المقدرة أصلا للسنة المالية 2011. لكن لا بد من التأكيد أن 2.6 مليار دولار لن يكون بمنزلة هبات أو هدر للمال العام، بل لمشاريع محددة تشمل زيادة قيمة المعاشات التقاعدية للمدنيين والعسكريين، فضلا عن صرف علاوة غلاء، إضافة إلى رفع مخصصات طلاب الكليات والمعاهد والمراكز الحكومية.

فوائد اقتصادية
بل من شأن الأموال المنفقة تعزيز مستوى النشاط التجاري لمختلف القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي يخدم الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. تعتبر مصروفات الدولة حيوية؛ كونها تمثل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يكشف الأهمية النسبية الكبيرة لمصروفات الدولة في الاقتصاد العماني. وتشير التوقعات الأولية إلى إمكانية تسجيل نسبة نمو قدرها 5 في المائة بالأسعار الثابتة. ومن شأن نمو كهذا المساهمة في تهيئة الأرضية لإيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين، وبالتالي معالجة أحد الأسباب الرئيسة وراء اندلاع الاحتجاجات في منطقة صحار في وقت سابق من العام الجاري.
من جملة الأمور، تشمل المشاريع المختلفة إيجاد أكثر من 40 ألف فرصة عمل في الدوائر الرسمية، خصوصا الأمنية منها. يعد هذا التطور حيويا؛ لأنه ينصب في خدمة القضاء على البطالة، التي تراوح نسبتها بين 12 و15 في المائة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف، أغلبيتهم من الإناث. تعتبر البطالة نوعا من الطاقات المعطلة في أي بلد؛ ما يعني عدم الاستفادة الكاملة من الثروات البشرية المتوافرة، خصوصا الخريجين الجدد المسلحين بآخر ما توصل إليه العلم الحديث.
كما تتضمن حزمة المشاريع تقديم مبلغ قدره 390 دولارا شهريا للمواطنين الباحثين عن عمل، وهذا يعني توفير سبل العيش الكريم لفئة من العمانيين، وبالتالي خطة تستحق الإشادة. المشهور أن الشباب في هذا الزمن، أي عصر العولمة، يتحملون تكاليف متنوعة، منها نفقات وسائل تقنية المعلومات، وبالتالي في حاجة إلى الاعتماد على دخل دائم حتى ولو كان محدودا.

تعزيز الميزانية العامة
لا شك، ستترك زيادة النفقات العامة تداعياتها على حالة المالية العامة بما في ذلك فرضية ارتفاع مستوى العجز المفترض. بالعودة إلى الوراء، تم إعداد ميزانية السنة المالية 2011 بنفقات وإيرادات قدرها 21.1 مليار دولار و18.9 مليار دولار على التوالي، وبالتالي عجز قدره 2.2 مليار دولار. ومع إضافة مخصصات تكلفة الإصلاح، تزيد قيمة النفقات العامة إلى 23.7 مليار دولار؛ ما يعني عمليا تنامي حجم العجز إلى 4.8 مليار دولار، أي نحو 20 في المائة من قيمة الميزانية.
بيد أنه يتوقع عدم حصول عجز فعلي بهذا الحجم؛ نظرا للتوقعات المتوقعة في القطاع النفطي وتحديدا متوسط سعر النفط ومستوى الإنتاج النفطي. وكانت الحكومة قد أعدت ميزانية 2011 عبر تبني متوسط سعر قدره 59 دولارا للبرميل، أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في السوق العالمية. يشار إلى أن أسعار النفط لم تنزل عن مستوى 100 دولار للبرميل منذ شهور عدة. وعليه يتوقع تسجيل ارتفاع كبير في الدخل النفطي، الذي يعد جوهريا؛ نظرا لمساهمته بنحو ثلثي إيرادات الخزانة. فضلا عن النفط، يسهم الغاز بنحو 13 في المائة من مجموع إيرادات الخزانة.

توافر الإمكانات
يكمن السبب الآخر لظاهرة تنامي الإنتاج النفطي من 710 آلاف برميل في 2007 إلى 900 ألف برميل في 2011 كنتيجة مباشرة للتعاون مع الشركات النفطية الدولية. وكان تحالف بقيادة ''أوكسيدنتال''، الذي يضم شركاء آخرين بينها ''مبادلة الإماراتية'' قد فاز في 2005 بعقد لتعزيز إنتاج حقل مخزينة من عشرة آلاف برميل يوميا إلى 150 ألف برميل يوميا. يعكس الاستمرار في زيادة الإنتاج النفطي دليلا ماديا على إعطاء الجهود المبذولة للاستفادة من الحقول المنتشرة في البلاد.
كما أن رفع مستوى الصرف أمر مقدور عليه بالنظر لمحدودية مستوى المديونية، التي هي في حدود 6 في المائة قياسا بالناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. طبعا نقول هذا على فرضية حصول عجز كبير نسبيا في السنة المالية 2011 مع أن المؤشرات تدل على عدم وجود هذا الخطر.
وفي كل الأحوال، نرى صواب توجه السلطات العمانية لمعالجة جانب مهم من تداعيات الأزمة السياسية التي تعانيها، خصوصا بعد ثبوت وقوف أسباب معيشية واقتصادية وراءها لحد كبير على أقل تقدير. ولا مناص من متابعة الظروف المعيشية للخريجين الجدد بشكل مستمر دونما كلل أو ملل؛ إذ إن الشباب هم عماد المستقبل.
بقي المطلوب من الجهات الرسمية التأكد من محدودية الزيادة في النفقات العامة على مسألة التضخم، وبالتالي التسبب في مشكلة من نوع آخر. يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد؛ لأنه يضر الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي